بين شريعة حمورابي والحكم في لبنان

محمد شمس الدين

“إني أتيت كي أنشر العدالة بين الناس كما تنشر الشمس ضياءها على الأرض، أرسلني الاله مردوخ لأحكم بين الناس وأحمي الأرض، ولذلك وضعت القوانين ونشرت العدالة بينهم وهيأت لهم الخير والسعادة. لا يجوز للقوي أن يعتدي على الضعيف كما أنه يجب حماية الأرامل والأيتام. ليتقدم مني المظلوم لأنصفه، ولأقل ما هو مكتوب على مثلي ويتفهمه ويعرف حقوقه ويشعر بالسعادة. ليقل كل مظلوم أن حمورابي سيد وأب لعموم رعيته”، هذا نص حرفي لما كتبه ملك بابل القديمة حمورابي في مقدمة شريعته الشهيرة.

وعلى الرغم من انتقاد مبدأ العين بالعين والسن بالسن الذي ساد في شريعة حمورابي، يجب الانتباه الى أن هذه الشريعة كتبت قبل أكثر من 3800 عام، وكانت العقلية البشرية مختلفة في ذلك الوقت، وتتألف من 282 قانوناً، شملت معظم جوانب الحياة في المملكة البابلية، والهدف الأسمى منها كان منع استقواء القوي على الضعيف، ومع أن الأفضلية أعطيت لطبقة النبلاء، إلا أنه كان يمنع ظلمها للشعب، واحدى تلك الشواهد بند يقول: “إذا تسبب أمير بكسر ذراع أحد أبناء الشعب يعاقب هو بكسر يده”، ما يطرح سؤالاً عن الحالة اللبنانية: هل إذا كسر سياسي يد أحد المواطنين تكسر يده؟ ماذا إن قتل أحد المواطنين؟ وإن قتل أكثر من 200 شخص وجرح 7000 وشرد 300 ألف مواطن ماذا يكون حكم حمورابي في هذه الحالة؟

حسناً، ماذا كان سيحكم حمورابي على من أضاع حقوق الناس ودمّر اقتصاد بلدهم؟ ماذا كان سيفعل بوزراء الطاقة المتعاقبين؟ أما عن المتعهدين فقد نصت شريعة حمورابي على أنه إذا انهار بيت وقتل من اشتراه حكم بالموت على مهندسه أو بانيه. وإذا نتج عن سقوطه موت ابن الشاري حكم بالموت على ابن البائع أو الباني.

يرمي السياسيون في لبنان التهم على بعضهم البعض بالسرقة والفساد، وعلى الرغم من ذلك لا يتحرك أي قاضٍ ضد أي سياسي، بل الأسوأ ان القضاة مفروزون سياسياً، بحيث لكل زعيم قضاته، إلا أنه في شريعة حمورابي، الشخص الذي يتهم غيره بارتكاب جريمة ما، ثم لا يستطيع إثباتها، يحكم عليه بالعقوبة المقررة للجريمة التي اتهم خصمه بارتكابها، والتي تصل إلى الاعدام أحياناً.

ولم ينس حمورابي القضاة، فقد شددت شريعته على أن القاضي الذي يحكم في قضية، ويتبين لاحقاً أن حكمه خاطئ أو غير عادل، أو أنه متورط في مؤامرة ما، تتم إقالته، وينفذ عليه الحكم الذي حكم به مضروباً بـ 12 ضعفاً، يعني إذا كان الحكم غرامة يدفعها 12 مرة، أما إذا كانت العقوبة جلداً أو ضرباً أو أي عقاب فيتعرض القاضي له 12 ضعفاً.

وختم حمورابي شريعته كاتباً “ان الشرائع التي رفع منارها الملك الحكيم حمورابي وجدت حتى لا يظلم الأقوياء الضعفاء وحتى ينال العدالة اليتيم والأرملة، ولعل الملك الذي يكون في الأرض فيما بعد أن يرعى ألفاظ العدالة التي نقشتها على أثري”، إلا أن هذا لم يحصل، على الأقل في لبنان، حيث نملك ربما القوانين الجيدة بالنصوص، إلا أن التطبيق شيء آخر، وعلى عكس حمورابي الذي أسس فعلياً المملكة البابلية، وجعلها مركز العالم خلال 42 سنة، فقد دمر سياسيون لبنان في أقل من 20 سنة، وأصبح بالكاد يذكر في هوامش الملفات العالمية، ويقترب من انتهاء دوره نهائياً في المنطقة على وقع الأزمات السياسية والفراغ والتعطيل التي تسيطر عليه.

شارك المقال