ثورة 23 يوليو 1952… ذكرى وعبرة

زياد سامي عيتاني

حلت أمس الذكرى السنوية الواحدة والسبعين لقيام ثورة 23 يوليو/ تموز في مصر بقيادة “تنظيم الضباط الأحرار”، التي شكلت منعطفاً مفصلياً في التاريخ العربي الحديث، لتطبع مرحلة من الزمن حافلة بالتطورات والتحولات الجذرية، ليس على صعيد مصر فحسب، بل على صعيد العالم العربي بأسره، ومن ثم العالم، بحيث أن الثورة أسست بتأثيراتها العالمية لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، التي كانت تُكافح من أجل استقلالها الوطني، حتى تحولت إلى قدوة وملهمة لنضال الشعوب.

ولا تزال هذه الثورة حتى يومنا هذا موضع نقاش ومراجعة وتقويم من مختلف دول العالم ومراكز الأبحاث والنخب الفكرية والسياسية، وتصدر بشأنها الدراسات والكتب البحثية والتحليلية، فضلاً عن كشف العديد من الوثائق المتعلقة بها وبما نتج عنها من أحداث متلاحقة على المسرح الدولي، وإن تكن متناقضة ومختلفة في الاستنتاجات، نظراً الى أهمية المرحلة التي تلت الثورة، ما يبقيها مادة دسمة مفتوحة للنقاش الفكري والاستراتيجي، خصوصاً وأنها أدخلت الأمة العربية في عصر النهضة.

كذلك، نجحت الثورة في جعل مصر دولة مؤثرة على الخريطة السياسية العالمية، عندما أسهمت وشاركت في إنشاء كتلة بين كتلتين كبيرتين متصارعتين وضمت إليها كلاً من تيتو ونهرو وشون إن لاي وسوكارنو، وذلك بعدما إرتقت مصر من دولة مُستعمَرة إلى دولة قويّة حرّة ناهضة بشعبها ومؤسساتها وقطاعاتها الحيوية ودولة قائدة في وطننا العربي.

تلك الثورة التي قام بها بعض الضباط في الجيش المصري وأطلقوا علي أنفسهم “تنظيم الضباط الأحرار”، أطلق عليها في البداية “حركة الجيش”، ثم اشتهرت فيما بعد باسم “ثورة 23 يوليو”، وبعد أن استقرت أوضاع الثورة، أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار وأصبحت تعرف باسم “مجلس قيادة الثورة”، الذي كان يتألف من 13 عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب.

وضمّ تشكيل “تنظيم الضباط الأحرار” كلاً من: جمال عبد الناصر، أنور السادات، عبد الحكيم عامر، يوسف صديق، حسين الشافعي، صلاح سالم، جمال سالم، خالد محي الدين، زكريا محي الدين، كمال الدين حسين، عبد اللطيف البغدادي، عبد المنعم أمين وحسن إبراهيم.

وقامت الثورة على ستة مبادئ أساسية هي: القضاء على الاقطاع، الاستعمار وسيطرة رأس المال، بناء حياة ديموقراطية سليمة وبناء جيش وطني، وتميزت هذه الثورة بأنها كانت ثورة بيضاء لم تُرق فيها الدماء، وقدمت وجوهاً وطنية شابة في مصر.

وبعد نجاح الثورة أذيع البيان الأول للثورة، الذي لخّص أسبابها وأهدافها وقد فرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، وترحيل الملك وأسرته إلى إيطاليا على متن يخته الخاص “المحروسة”. فيما كانت إدارة الأمور في يد مجلس قيادة الثورة، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في العام 1953، وكلف المجلس علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة بعد إقالة وزارة الهلالي باشا غداة تشكيلها ثم قام الثوار بالاتصال بالسفير الأميركي لإبلاغ رسالة إلى القوات البريطانية بأن الثورة شأن داخلي.

وكان من أسباب قيام الثورة استمرار الملك فاروق في تجاهله للغالبية، فضلاً عن الاضطرابات الداخلية والتدخل الأجنبي في شؤون البلاد والصراع بين الاخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي، وقيام حرب فلسطين وتوريط الملك البلاد فيها من دون استعداد مناسب ثم الهزيمة وسوء الحالة الاقتصادية في مصر وغياب العدالة الاجتماعية.

وتبنت الثورة فكرة القومية العربية، وساندت الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكل صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا، وكان لمصر دور رائد في تأسيس جماعة دول عدم الانحياز.

على الصعيد المصري، أحدثت الثورة تحولاً وتغيراً عميقين على الصعيد المصري من خلال الانجازات الوطنية العملاقة التي تحققت بفضلها، ومن أبرزها: إنهاء الاحتلال، القضاء على الاستعمار، الاصلاح الزراعي، الثورة الصناعية، تأميم قناة السويس وبناء السد العالي… ولكن يكاد يكون الانجاز الأهم للثورة، هو بناء جيش وطني بعقيدة قتالية، والتي تأكدت في حرب العاشر من رمضان التي عرفت بحرب العبور في تشرين من العام 1973، وأسّس لها عبد الناصر، بعد هزيمة عام 1967 بـ”حرب الاستنزاف”.

أما على الصعيد العربي، فنجحت ثورة 23 يوليو في إحداث تحوّل عميق في التاريخ العربي المعاصر، خصوصاً وأن زعيمها الذي تحول الى رمز وقائد عربي فذ، ليس بفضل سحره “الكاريزماتي” وحسب، بل من خلال ما صاغه من مشروع قومي شامل (الميثاق وفلسفة الثورة)، إنطلاقاً من إيمانه بالدور الذي تستطيع مصر أن تقوم به في محيطها العربي، ما دفعه إلى الشروع في بناء اليقظة القومية في مختلف المجتمعات العربية، من خلال إنتزاع إستقلالها من المستعمر، ونشر التوعية الوطنية والقومية، كمنطلق لتحقيق الحلم الكبير بتحقيق الوحدة العربية.

لا تزال هذه الفترة الأساسية من تاريخ مصر الحديث مادة أساسية من التاريخ العربي ومرجعاً ثابتاً للحديث عن الدور الرائد للشعب المصري على مر العصور.

شارك المقال