الفراغ المتمدد… يفرغ ما تبقى من الدولة

زياد سامي عيتاني

إستحقاق دستوري جديد يقترب موعده في لبنان، مع إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نهاية الشهر الجاري، فيما الفراغ لا يزال يستوطن في قصر بعبدا.

وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال السلطة السياسة تتخبط في شأن السيناريو الذي سيعتمد بعد 31 تموز الجاري خلفاً لسلامة، خصوصاً وأن كل الاقتراحات المطروحة على الطاولة لمرحلة ما بعد إنتهاء ولايته، ليس محسوماً حتى اللحظة اعتماد أي واحد منها، لكن الثابت أن البلد مُقبل على مرحلة جديدة من اللااستقرار المالي والنقدي.

مع فشل مجلس النواب في إنتخاب رئيس للبلاد، فإن القوى السياسية تحولت من الصراع على السلطة ومكاسبها، إلى تصارع على حكم “الفراغ” وتداعياته، في ظل حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات ومطعون في شرعية قراراتها وإجراءاتها التنفيذية من جهة، ومجلس نيابي عاجز عن التشريع في ظل غياب رئيس للبلاد، وفق ما ينص عليه القانون، من جهة أخرى.

فالأشهر التسعة من الشغور الرئاسي، كانت كفيلة بإمتداد الفراغ على مواقع ومناصب رئيسة في البلاد، خصوصاً وأن القانون اللبناني لا يضع التعيينات الادارية ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.

ولا تقتصر الأمور على حاكمية مصرف لبنان، فقبلها وصل الفراغ إلى رئاسة جهاز الأمن العام بعد بلوغ رئيسه اللواء عباس إبراهيم سن التقاعد، بحيث حل مكانه العميد إلياس البيسري، قائماً بأعمال رئاسة الجهاز، كونه الأعلى رتبة، إلى حين تعيين بديل لابراهيم، بعدما فشلت محاولات حكومية ونيابية في التمديد له.

والخطورة في الموضوع أن السياسيين يتصرفون فعلياً على قاعدة استمرار الفراغ الرئاسي الى أمد غير معلوم. والأخطر أن إعتماد هذه المعادلة، يتوالى تعميمه في السلطات والادارات العامة كافة، بحيث أضحت ظاهرة الشواغر أو تغطيتها بالانابات والتكليفات هي القاعدة، والإشغال بالتعيين القانوني هو الاستثناء، في حين يتكفل الاضراب العام المستمر في القطاع العام بتعظيم الفراغات في إدارة الوزارات والمؤسسات العامة وشؤون الدولة والبلد والناس!

هذا الواقع السياسي فرض قلقاً عاماً في لبنان من احتمالية إفراغ مؤسسات الدولة وأجهزتها من موظفيها، ولا سيما موظفو الفئة الأولى، أي المسؤولون الأمنيون والمدراء العامون، فضلاً عن حاكمية مصرف لبنان والقيادة العسكرية والأجهزة القضائية، مع ما قد يحمله ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية.

فإذا ما تمدد الفراغ الرئاسي إلى العام المقبل، أمام إنسداد كل آفاق الحلول، هناك تخوف جدي من أن يصيب الفراغ أيضاً قيادة الجيش، مع إحالة العماد جوزيف عون على التقاعد، ومؤسسة قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة التمييزية بإحالة اللواء عماد عثمان والقاضي غسان عويدات على التقاعد أيضاً، وهذا سيرفع بالتأكيد منسوب المواجهة السياسية بين مكونات السلطة الحالية، إذا ما حاولت حكومة تصريف الأعمال التصدي لهذه الاستحقاقات الداهمة، سواء عبر تعيين بدلاء عمن سيحالون على التقاعد أو التمديد لهم.

نشير في هذا السياق، الى أن المواقع الأساسية في الدولة اللبنانية يبلغ عددها 179 وظيفة من الفئة الأولى أو ما يعادلها، شغر العديد منها، وعجزت السلطة السياسية عن إجراء التعيينات لملئها. ومن المتوقع أن يبلغ مع نهاية هذا العام عدد الفراغ في وظائف الفئة الأولى 73 وظيفة، ما سيفاقم من تردي عمل المؤسسات والادارات العامة.

مع تمدد الفراغ وتفريغ مؤسسات الدولة واداراتها وأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية، بات التخوف من وجود مخطط يتم تنفيذه، يهدف إلى تحلل الدولة وتقويضها بصورة كاملة، تمهيداً لإسقاط السلطة من داخلها، تبريراً للدعوة إلى إنتاج نظام سياسي جديد، يعيد هيكلية السلطة، وفقاً لتغير ميزان القوى المحلي والإقليمي.

شارك المقال