مبادرة بري تشق الطريق رغم ألغام التدقيق والترسيم والانتخابات

رواند بو ضرغم

خفتت أضواء المبادرات باستثناء مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري المنطلقة من المبادرة الفرنسية والمبنية على ثابتتين: حكومة اختصاصيين غير حزبيين يرأسها سعد الحريري ولا أحد سواه ولا ثلث معطلا فيها؛ السعي لإرساء أكبر قاعدة توافق وتقارب بين مختلف الفرقاء السياسيين.

لم تنجح شتى المحاولات لردم الهوة بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه رئيس تياره جبران باسيل مع الرئيس المكلف سعد الحريري، الا أن مبادرة بري لا تزال مستمرة وتشق طريقها متجاوزة الألغام التي تُرمى على دربها من سجالات التدقيق الجنائي وترسيم الحدود والانتخابات، الفرعية منها والمبكرة، ولو من دون تحقيق أي خرق إيجابي، على الرغم من بعض التنازلات أقله من جهة الحريري بالسير في حكومة من 24 وزيرا بدلا من 18.

أمام هذا الانسداد، غرد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم خارج سرب الثنائي الشيعي، مستغلا وجوده في فرنسا، فحاول إقناع الفرنسيين بدعوة باسيل الى باريس ولقائه الرئيس ايمانويل ماكرون، فتبلورت الأفكار الفرنسية لجهة جمع الحريري وباسيل في حضور ماكرون. وكان قد حُدد موعد اللقاء الاربعاء الماضي قبل أن تقرر باريس إلغاءه. كذلك طُرحت فكرة اللقاء الموسع ليضم ممثلين عن القوى السياسية الأساسية.

المسعى الفرنسي سقط لسببين:

– شعر مستشارو ماكرون من خلال تواصلهم مع باسيل انه لا يزال يراوغ ويتهرب من استحقاق ولادة الحكومة، عبر تمسكه بالثلث المعطل وبحقائب الدفاع والداخلية والطاقة بالاضافة الى العدل، وهو ما يؤدي عمليا الى ضرب المبادرة الفرنسية ونسف مضمون اجتماع قصر الصنوبر.

– رفض الحريري لقاء باسيل ما لم يتعهد أمام الفرنسيين بالتنازلات الواضحة والرسمية التي تؤدي الى ولادة الحكومة الفورية. وقد إخفق الفرنسيون في الحصول على هذه التنازلات، ما أقنعهم بأن باسيل يناور بهدف تحقيق مكاسب شخصية تتمثل بالتقاط صورة له مع الرئيس الفرنسي لاستغلالها في الساحة السياسية وتعويمه لبنانيا. كما أن زيارة دولة مهمة مثل فرنسا ستكون الاولى له بعد فرض عقوبات اميركية عليه استنادا الى قانون ماغنيتسكي المتعلق بالفساد.

فما الذي سيدفع الحريري الى لقاء باسيل؟ وهل بعد لقاء كهذا ستحسم الحكومة بشروط الحريري المندرجة تحت مظلة المبادرة الفرنسية؟

تقول المصادر إن المستفيد الوحيد من هذا اللقاء سيكون باسيل. فمجرد ذهاب الحريري متنازلا عن طرحه الاساس المتمثل بحكومة من 18 وزيرا، وقبول حكومة من 24 وزيرا، سيكون نقطة لمصلحة باسيل. هذا بالاضافة الى عدم التزام رئيس التيار الوطني الحر بالتنازل عن الثلث المعطل ولا عن بعض الحقائب التي عاد وتمسك بها، ما يعني فشل اللقاء بانتاج حكومة، فيعود باسيل الى بيروت أكثر إصرارا على شروطه وفارضا نفسه لاعبا متحكما بإمضاء رئيس الجمهورية وشكل الحكومة.

تضيف المصادر أن الحريري لن يرضي باسيل على حساب علاقته ببري وسليمان فرنجية وحتى اللقاء التشاوري، فلا شيء ولا أحد يجبر الحريري على تعويم باسيل على حساب موقعه الدستوري والسياسي. فمثل لقاء كهذا ينتفي مبرر عقده لمجرد أن باسيل لا يريد للحريري أن يكون رئيسا وهو يجاهر بذلك أمام مقربين له ولزواره..

وردت مصادر مقربة من باسيل بأنه بات واضحا للفرنسيين من الذي استجاب بايجابية للمسعى الفرنسي والدعوة للقاء في باريس، ومن الذي ماطل اسبوعا كاملا من دون اعطاء اي جواب على المسعى. كذلك نفت هذه المصادر الاتهامات بمطالبتهم الثلث المعطل، واعتبرت أنه أصبح واضحا للفرنسيين من الذي قدم تشكيلة كاملة ومن الذي لم يقم بواجبه بتقديم صيغة حكومية متكاملة.

أزمة ثقة مستفحلة بين بعبدا – اللقلوق مع بيت الوسط من جهة، ومع عين التينة من جهة أخرى… أزمات عميقة تعيد الأجواء الحكومية الى مربعها الأول بانتظار تغيرات داخلية أو مفاجآت في السياسات الدولية، والى ذلك الحين يتسابق الدولار مع الانفجار الاجتماعي، ولا حكومة في الأفق والاصلاحات ستبقى شعارات تُستخدم للكيديات السياسية وفرض التوازنات الحزبية والطائفية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً