لبنان أمام الفرصة الأخيرة… تهويل أو نحو الارتطام الكبير؟

هيام طوق
هيام طوق

غادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، متوجهاً الى فرنسا ليبلغ دولته بنتائج نقاشاته مع المسؤولين اللبنانيين في الطرح الذي قدمه لهم ويقضي بعقد “اجتماع عمل” محدود الزمان والبنود، أي يجري النقاش على مدى يومين على أبعد تقدير، حول نقطتين محددتين: مواصفات رئيس الجمهورية العتيد والمهمات المنتظرة على أن تليه جلسات انتخابية مفتوحة، مراعياً هواجس كلا الطرفين المختلفين رئاسياً خصوصاً المعارضة التي تتوجس من فتح الباب أمام تعديلات دستورية أو المسّ باتفاق الطائف. وعلى الرغم من اعتبارها أن موقفها المرتبط بمواصفات الرئيس حدد منذ 10 أشهر إذ تمت تسمية المرشحين ميشال معوض وجهاد أزعور بناء على هذه المواصفات، إلا أنها استمهلت لودريان لإعلان موقفها النهائي خصوصاً أن القوى المتنوعة تسعى الى الخروج بموقف موحد من المشاركة أو عدمها في اجتماع أيلول المقبل.

وفي هذا الاطار، كشف أحد النواب لموقع “لبنان الكبير” أن كل كتلة ستعقد اجتماعاتها للتشاور بين أعضائها قبل التوافق على تاريخ محدد لاجتماع ممثلي كل أطياف المعارضة على الرغم من أن الاجتماعات مفتوحة ودائمة بينهم بعيداً من الاضواء، والتقارب كبير في وجهات النظر، لكن ليس هناك من موقف واحد موحد أو رسمي الى اليوم، ولا داعي للعجلة لأن لدينا الكثير من الوقت لدرس طرح لودريان من كل جوانبه، وبهدوء، ووضع السلبيات والايجابيات في الميزان السياسي. مع العلم أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الحوار محصور بالزمان والبنود، وستليه دورات انتخابية متتالية، وليس من مصلحتنا بعدم المشاركة أن نظهر أمام المجتمع الدولي واللجنة الخماسية التي سبق أن أصدرت بياناً، صبّ لصالح القوى المعارضة، أننا الطرف المعرقل فيما الفريق الآخر هو الذي يعطل انتخاب الرئيس. في الوقت عينه، فإن نتائج الاجتماع معروفة سلفاً في ظل تمسك “الثنائي الشيعي” بمرشحه كما أن جلسات الحوار السابقة أثبتت فشلها.

وفي انتظار المواقف النهائية من اجتماع العمل في أيلول بحيث أن اللجنة الخماسية أعطت لودريان مهلة الى تشرين الأول لانجاز مهمته الرئاسية في لبنان، فقد أكد أحد النواب الذين التقوا الموفد الفرنسي أنه كان واضحاً ومباشراً في لقاءاته، وشرح أن طرحه يوفّق بين طالبي الحوار ورافضيه، مشدداً أمام الجميع على أنه يتحدث باسم اللجنة الخماسية، وبعد أن بدّد الهواجس، وأجاب عن الاستفسارات، والأسئلة، توجّه الى المسؤولين، بالقول: “هذه الفرصة الأخيرة لكم كلبنانيين، وعليكم أن تدرسوها وتتلقّفوها”.

لكن ماذا يعني لودريان أن هذه الفرصة الأخيرة أمام اللبنانيين؟ هل ستتخلى الدول الصديقة والمعنية بالشأن اللبناني المتمثلة في اللجنة الخماسية عن لبنان وشعبه، وتتركه يتخبط في مصيره المجهول في ظل الانقسام الحاد بين قواه السياسية، أو أن هذا الكلام يأتي في اطار التهويل لحثّ القوى على التجاوب والسعي الجاد الى الافراج عن الاستحقاق الدستوري بعيداً عن الحسابات الضيقة؟ وفي حال فشلت محاولة لودريان الأخيرة، أي مصير ينتظر لبنان واللبنانيين بعد سنوات من جهنم؟

أشار النائب عماد الحوت الى أن “المجتمع الدولي لديه ما يكفيه من المشكلات، ولبنان ليس من الأولويات، لكن على الرغم من ذلك، يظهر اهتماماً بالأزمة اللبنانية، واذا كان اللبنانيون اليوم لا يريدون التقاط الفرصة، فالمجتمع الدولي سيبحث عن مصالحه، وسيترك لبنان لمصيره وحينها لن يجد أي صديق الى جانبه”، معتبراً أن “ليس المهم أن يكون لودريان جاداً في ما يقوله أو أنه يهوّل بل المهم أن يكون اللبنانيون جادّين في انتخاب الرئيس”.

وقال: “مختلف القوى السياسية تستشعر عبء الأزمة، والخطر الكياني نتيجة تحلّل المؤسسات، والكل يحتاج الى مخرج كي يتنازل عن السقف المرتفع الذي وضعه، واجتماع العمل في الأول من أيلول يمكن أن يشكل مخرجاً للقوى السياسية كي تتراجع عن سقوفها، ونتجه نحو مرشح ثالث، نذهب الى انتخابه”. وأكد أن “ليس المهم أن يتفقوا جميعاً على اسم واحد، لكن المهم التراجع عن تبني مرشح مواجهة. واذا تم التوافق على المواصفات ومهمام الرئيس المقبل، فلنذهب حينها الى البرلمان، وينتخب كل طرف الاسم الذي يريد لأن من الصعوبة بمكان أن يتفق الجميع على اسم واحد. من أهم نتائج اجتماع العمل أنه سيؤدي الى دورات متتالية لانتخاب الرئيس”.

ونبّه الحوت على “أننا في حال فشلت المساعي في أيلول، أمام خطر وجودي لأن مؤسسات الدولة تنهار الواحدة تلو الاخرى. والخطر الوجودي والكياني تتحمل مسؤوليته كل القوى السياسية. اذا لم ننتخب رئيساً في أيلول المقبل، فسنصل الى الارتطام الكبير”.

ورأى الوزير والنائب السابق إيلي ماروني أن “لبنان بلد مريض يحتاج الى طبيب ودواء، واذا كان المريض يرفض الطبيب والعلاج، فماذا يمكن أن تقدم اللجنة الخماسية أو غيرها خصوصاً أن المجتمع الدولي وصل الى مرحلة الملل والقرف من الحالة اللبنانية نتيجة التعاطي مع هذه النوعية من المسؤولين الذين لا يسعون الا الى مزيد من الحصص والمكاسب والمصالح؟ نعم انها الفرصة الأخيرة. مررنا بمراحل صعبة، لكن لم نصل الى درجة تحلل المؤسسات والانهيار كما هو الحال اليوم، واذا استمرّ الوضع على حاله، فالبلد الى زوال، والشعب يدفع الثمن فيما تعيش الطبقة الحاكمة في عالم بعيد عن الواقع”.

ووصف جولة لودريان بـ “اللاجولة، ولن تؤدي الى أي نتيجة”، لافتاً الى أن “المسعى فشل، والدعوة الى الحوار ليست سوى تخريجة مشرّفة لهذا الفشل. الحوار مطروح منذ زمن بعيد، وجرّبنا الحوارات الفاشلة على الرغم من تأكيدنا أهميتها. لا جديد لدى لودريان سوى الدعوة الى الحوار، ومن المضحك المبكي تغيير اسم الحوار الى اجتماع عمل. النواب ليسوا تلاميذاً، ينتظرون الدروس من الخارج، لكن ليس هناك أي ولاء للوطن، وهذا ما أدى الى تحلل المؤسسات. ووقاحة المسؤولين ربما تصل الى تحميل مسؤولية الفشل للموفد الفرنسي في حين أنهم هم الفاشلون الذين لا يسعون الى انقاذ البلد. المسؤولية علينا في الداخل وليس على لودريان المشكور الذي حاول الانقاذ لكن تعنّت المسؤولين أفشل مهامه”.

وأكد ماروني أن “ليس هناك من أمر ايجابي يوحي ببصيص ضوء في النفق المظلم. يكفي كذباً واستعراضات واستقبالات وخطابات شعبوية لأن الوطن زال من الوجود، وما من حل الا بثورة شعبية تعزل المسؤولين الذين هم المرض بحد ذاته، ومن مصلحتهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه. الدواء في يد الشعب حين يتحرك ضد كل هؤلاء، وينتج طبقة جديدة تتولى السلطة”.

شارك المقال