السعودية تثبّت مقام المفتي كمرجعية وطنية وتحصّن الدور السني

زياد سامي عيتاني

منذ عودة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان من المملكة العربية السعودية، بعد أداء مناسك الحج، ولقائه عدداً من المسؤولين السعوديين والعرب، أخذت مواقفه الوطنية منحىً مختلفاً عما قبل الزيارة، بحيث عادت الأنظار تتجه إلى دار الافتاء، لتتصدر الواجهة السياسية، وذلك في توقيت له دلالته البالغة، اذ أجمع المتابعون على أن مواقف المفتي دريان التي يطلقها منذ عودته، هي رسالة واضحة، تؤكد ضرورة الإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية، وفقاً للأطر الدستورية، كتأكيد حاسم غير قابل للنقاش والاجتهاد على حتمية التمسّك بدستور الطائف، وفي المقابل كل طرح من خارج هذا السياق، لا يعني المملكة لا من قريب ولا من بعيد.

وهذا ما يفسر تجديد سفير المملكة في لبنان وليد بخاري تأكيده “أنّ السعودية تتمسك بوثيقة الوفاق الوطني، وبتنفيذ اتفاق الطائف الذي حمى اللبنانيين ويحميهم، وتؤيد أي لقاء فيه خير للبنانيين وتتمنى أن يجري انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد”.

وأتت مواقف المفتي دريان بعد فترة زمنية ليست قصيرة، لم يسبق للمسلمين السنّة في لبنان خلالها أن وجدوا أنفسهم في محنة سياسية كالمحنة الحقيقية التي يجدون أنفسهم فيها اليوم، خصوصاً مع غياب مرجعياتهم الوازنة الدينية والسياسية والزعاماتية وتغييبها، ما يشعرهم بما يشبه “اليتم” السياسي!

وما استوقف المتابعين، زيارة السفير بخاري للمفتي دريان، التي إستتبعت بعد بضعة أيام بعشاء تكريمي أقامه سفير المملكة في دارته في اليرزة، في حضور غالبية النواب السنة، ما فسّر بأنه تثبيت سعودي لمرجعية دار الافتاء ومقام مفتي الجمهورية كمرجعية وطنية جامعة للطائفة السنية في لبنان، في إشارة شديدة الدلالة لكل الفرقاء على الساحة اللبنانية، الى عدم السماح بتجاوز دور المكون السني أو تهميشه أو حتى إضعافه، وأنه ينبغي التعامل مع دار الافتاء (المرجعي) في كل ما يتعلق بالقضايا الوطنية والمصيرية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان.

كذلك، فإن دعوة السفير بخاري النواب السنة الى المشاركة في العشاء التكريمي للمفتي دريان، (على الرغم من وجود نواب وشخصيات من طوائف أخرى، لحرص السفير على التنوع)، هي رسالة لهم بضرورة الإلتفاف حول مقام الإفتاء والإلتزام بما يصدر عنه من مواقف سياسية، بعد تشتت مواقف النواب السنة خلال الجلسة الرئاسية الـ 14 للمجلس النيابي.

وهذا المنحى، برز بصورة واضحة في كلمة المفتي دريان خلال التكريم، حيث حذر “من يحاول إيهام الناس بأن القرار بانتخاب رئيس للجمهورية بيد فئة من اللبنانيين دون أخرى، بل الجميع معني ومشارك في اختيار الشخصية الرئاسية التي ستكون مؤتمنة على النظام والدستور ليبقى لبنان سيداً حراً عربياً مستقلاً متعاوناً مع أشقائه العرب والدول الصديقة”.

كما شدد دريان على “أن المسلمين السنة في لبنان هم مكون أساس في الخيار والقرار الوطني، وينبغي أن يكونوا موحدين على الثوابت اللبنانية التي تضمن حقوق الجميع من دون استثناء”.

من الواضح أن السفير السعودي، الذي حرص على أن يكون “العشاء” ضمن الاطار التكريمي للمفتي دريان، لكن لا يمكن إلا التوقف عند أبعاده السياسية، لا سيما أنه تزامن مع الجولة الجديدة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان، عقب إجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، كتأكيد من جهة، على الحضور السعودي في المشهد السياسي اللبناني كضامن وموجه، من دون الدخول في “زواريبه”، ومن جهة أخرى أن الرياض حريصة على الدور الوطني والميثاقي التاريخي ببعده العربي للطائفة السنية، التي كانت منذ تأسيس دولة لبنان الكبير سنة ١٩٢٠، نقطة الارتكاز وحجر الزاوية في قيام الجمهورية اللبنانية، وبالتالي أي خلل بنيوي في المعادلة الوطنية بإستبعادها عن موقع القرار، يشكل خرقاً حقيقياً لكيانية لبنان، ما يهدد المفهوم التعددي الجامع الذي قام عليه.

شارك المقال