وقاحة!

صلاح تقي الدين

يمضي معظم السياسيين المنتخبين حياتهم وهم يحاولون الظهور بمظهر رجال دولة يسعون الى المصلحة العامة وخير الناخبين الذين أوكلوهم مهمة تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم، وقد ينغمس بعضهم في ملفات فساد يسعون إلى تغطيتها وعدم الكشف عنها حتى لا يصار إلى محاسبتهم في صناديق الاقتراع، غير أن في حالة النائب المنتخب عن قضاء البترون جبران باسيل، القضية الأهم بالنسبة إليه هي ملء جيوبه بالمال بأي وسيلة ممكنة، ضارباً عرض الحائط بكل ما يثار حوله من تهم بالفساد وعقوبات فرضت عليه نتيجة هذا التصرف، وبوقاحة لا مثيل لها.

لقد صمت آذان اللبنانيين والدول البعيدة والقريبة بمحاضرات العفة التي كان يدلي بها باسيل دفاعاً عن نفسه بعد معاقبته أميركياً بتهمة الفساد، لا بل صال وجال واستخدم كل علاقاته الدولية والعربية من أجل رفع هذه العقوبات عنه، لكنه في محاضرته الأخيرة قايض بكل صفاقة ووقاحة بين رئاسة الجمهورية التي أدرك أنه لن يستطيع طرق أبوابها شخصياً، وبين ما سيجنيه بحصوله على مطلب اللامركزية الادارية والمالية الموسعة والهيمنة على الصندوق السيادي المفترض إنشاؤه لادارة الأموال المحصلة من ثروة لبنان النفطية والغازية.

لا شك في أن باسيل لا يهمه رأي الناس به، ولا شك أيضاً أنه نسي أو تناسى الشعارات الرنانة التي أطلقها الشعب الذي يزعم أنه يمثله خلال انتفاضة 17 تشرين 2019، لا بل صبّ جام غضبه على قائد الجيش العماد جوزيف عون واتهمه بأنه لم يفعل شيئاً لردع الناس الذين تظاهروا “ضده”، وحاول ولا يزال إبعاده عن لائحة المرشحين “النظيفين” عن رئاسة الجمهورية، والأنكى من ذلك أنه اتهمه بالفساد.

ماذا يمكن تسمية “تجارته” بالرئاسة مقابل الحصول على مكاسب مادية؟ فساد؟ بل قل أكثر من ذلك، إنها محاولة وقحة للحصول على أموال عامة يبدو أن ما حصّله منها منذ عودة “عمه” الجنرال من المنفى و”استيلائه” على رئاسة الجمهورية طيلة ست سنوات، لم تكفه، وها هو يطرح هذه المقايضة علناً و”بشفافية” غير آبه بما سيقال عنه.

كيف له أن يقنع الأميركيين بأنه غير فاسد بعد هذا الاعلان عن المقايضة؟ وكيف له أن يوسط القطري أو المجري أو حتى فريق محامين أميركيين للدفاع عن نفسه في محاولاته البائسة لرفع العقوبات الأميركية عنه؟

إذا كانت هذه هي الشروط التي عاد ليفاوض “حزب الله” على أساسها لكي يقبل بالعودة إلى أحضانه وانتخاب مرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فعلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن يخرج إلى العلن ليقول للبنانيين انه يقبل بهذه “التجارة” أو يتنصل من جبران وينسى إمكان إيصال فرنجية إلى بعبدا.

لم يصل مستوى السياسيين اللبنانيين إلى هذا التدني من قبل، فقد شهد لبنان رجال دولة من الطراز الرفيع، ومن المعيب أن تذكر أسماؤهم إلى جانب اسم باسيل كنواب أو وزراء أو قادة أحزاب سياسية. ليس هذا الكلام في إطار القدح أو الذم بباسيل، لكن طفح الكيل ولم يعد جائزاً ألا تسمّى الأشياء بأسمائها.

لعل الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم تعطِ نتائجها أي فريق الأكثرية الواضحة، صعّبت إمكان أن يفرض أي فريق على الفريق الآخر إرادته، أو بالمعنى الأدق أن يتمكن من فرض مرشحه للرئاسة من دون أن يؤمن تحالفاً أو تقاطعاً بين الفرقاء المختلفين. لكن أن يتمكن الثنائي الشيعي من فرض فرنجية مرشحاً على باسيل الذي من دونه لن يستطيع تأمين الأكثرية المطلوبة من 65 صوتاً، وبهذه الطريقة الوقحة، فعليه أن يتعامل مع قرار الفريق المعارض الذي أعلن أنه سيستخدم الورقة نفسها التي استخدمها لمنع وصول النائب ميشال معوض ثم الوزير السابق جهاد أزعور إلى بعبدا، أي تعطيل النصاب.

وإذا كان اتهام باسيل بـ”الذكاء” السياسي صحيحاً، فربما استخدم هذه المقايضة كورقة يدرك سلفاً أنه إذا حصل عليها سيكون المستفيد الأول منها، لكنها لن توصل فرنجية إلى بعبدا، وهذا ما يريده أولاً وأخيراً.

لا يريد باسيل فرنجية رئيساً، ولا يريد العماد عون كذلك، ولن يكون بإمكانه التقاطع مجدداً مع المعارضة بعد إعلانه الفاضح عن المقايضة، فهل من المقبول إبقاء البلد رهينة طموحات باسيل وجشعه الدائم غير المتناهي للمال؟

إن لم تستحِ، فافعل ما شئت، وهذه هي حال جبران. أعان الله لبنان واللبنانيين.

شارك المقال