طموحات رئيسي وتجدد العلاقات بين إيران وإفريقيا

حسناء بو حرفوش

ركزت إيران على مدار العامين الماضيين على ترسيخ نهجها في السياسة الخارجية غير الغربية، في الوقت الذي انشغلت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإحياء الاتفاق النووي الايراني الذي يعود الى العام 2015. فكيف جددت إيران علاقاتها مع إفريقيا؟ الاجابة في قراءة بموقع معهد الشرق الأوسط.

ووفقاً لهذه القراءة، “تماشياً مع هذا النهج، استهل الرئيس إبراهيم رئيسي رحلة إلى ثلاث دول في إفريقيا في منتصف شهر تموز، في زيارات هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 11 عاماً. وفي وقت سابق من الشهر، أفاد مسؤولون إيرانيون بأن صادرات الجمهورية الاسلامية إلى القارة الإفريقية زادت بنسبة 100٪ خلال العام الماضي. ومن الواضح الآن أن التعامل مع إفريقيا سيشكل محور تركيز للسياسة الخارجية في ظل إدارة رئيسي. ومع ذلك، ليست هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها إيران مثل هذا النهج في القارة. فقد سبق للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أن اتبع سياسة مماثلة من 2005 إلى 2013، على الرغم من أنها لم تسفر عن نتائج مهمة. وهذا يثير تساؤلاً حول ما إذا كانت نتيجة سياسة رئيسي تجاه إفريقيا ستختلف بعد عقد من الزمان.

علاقات متجددة مع إفريقيا

بدأ رئيسي بتعزيز علاقات أوثق مع روسيا والصين ودول أميركا اللاتينية منذ توليه الحكم. ولكن على عكس فترة رئاسة أحمدي نجاد، أثبتت القوى غير الغربية أنها أكثر تقبلاً هذه المرة ورحبت بتحول السياسة الخارجية لطهران (في إشارة الى حصول إيران على عضوية دائمة في منظمة شنغهاي للتعاون ). وسعت طهران الى تقليص علاقاتها مع القوى الغربية، لا سيما من خلال التقليل من أهمية خطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي لعام 2015 بصورة رسمية. ووعد رئيسي ضمن الشعارات الرئيسة للحملة الرئاسية لعام 2021 بعدم وضع البلاد في حالة انتظار لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. تهدف هذه الاستراتيجية الى إظهار الغرب في حالة انحطاط والتأكيد أنه لن يعوق جهود إيران لدفع برنامجها النووي أو الالتفاف على العقوبات الغربية. في الواقع، يعكس هذا النهج قراراً محسوباً اتخذته القيادة الايرانية وتأثراً بتصورها للسياسة الخارجية للرئيس جو بايدن.

وانتقد المسؤولون الأميركيون على مدار العامين الماضيين، بصورة صريحة الانسحاب الأميركي من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018 وأكدوا أن حملة “الضغط الأقصى” التي شنها دونالد ترامب قد فشلت. سعت إدارة بايدن الى التعبير عن حسن نيتها لإقناع إيران بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، تشجعت السلطات الإيرانية على تكثيف تهربها من العقوبات وأقنعت الدول غير الغربية بأن التعامل مع إيران من غير المرجح أن تكون له عواقب وخيمة. بالنتيجة، استثمرت إدارة رئيسي مجدداً في المشاركة مع إفريقيا على أمل أن تجدد العلاقات سيؤتي ثماره على عكس عهد أحمدي نجاد. وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن تصور الحكومة الإيرانية رحلة رئيسي إلى إفريقيا كإشارة واضحة على أن ديبلوماسيتها تمتد إلى ما هو أبعد من “اتفاق محدد” – أي الاتفاق النووي – على أمل تحقيق إنجازات مهمة. وتسعى الجمهورية الإسلامية لتبرهن أن العالم لا يقتصر على الغرب ويمكن لها توسيع علاقاتها مع “الدول المستقلة”. وهكذا، برزت إفريقيا كنقطة تركيز جذابة يمكن أن تساعد إدارة رئيسي في تعزيز سياستها الخارجية غير الغربية.

وعدا عن الجانب الإقتصادي، تسعى إدارة رئيسي الى تحقيق مكاسب سياسية من خلال تعزيز علاقاتها مع إفريقيا بحيث تزعم أن هذه العلاقات ستمكن إيران من السعي الى الحصول على عضوية في مجموعة “بريكس”، مشيرة إلى دور جنوب إفريقيا في المجموعة. لكن، على الرغم من تحقيق نمو كبير، لم يصل حجم التجارة بين إيران والدول الافريقية بعد إلى مستوى كبير ولا يزال غير كافٍ لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحادة في إيران. في حين أن هذا قد يشير إلى أن تواصل رئيسي مع إفريقيا من المرجح أن يواجه مصير أحمدي نجاد نفسه، إلا أن هناك عوامل محلية ودولية يمكن أن تؤدي إلى نتيجة مختلفة هذه المرة.

في المجال الداخلي الايراني، تشير التطورات الأخيرة إلى أن التركيز على إفريقيا يعتبر جزءاً من نهج استراتيجي طويل المدى. تنظر القيادة الإيرانية إلى الادارة “الموالية للغرب” التي استمرت ثماني سنوات في عهد الرئيس السابق حسن روحاني كإخفاق ترك تأثيراً مدمراً على البلاد. والأهم من ذلك، أدت التطورات الجيوسياسية أيضاً إلى خلق بيئة أكثر ملاءمة لايران في ما يتعلق بإفريقيا. مقارنة بالعام 2005 – 2013، واجهت الهيمنة الأميركية تحديات أكبر، ما أعطى طهران فرصة للتهرب من الضغط الأميركي. وفي آذار 2023، صرح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن الغرب فرض ضغوطاً على إيران لعزلها، لكن هذا الجهد قد فشل. واستفادت الجمهورية الإسلامية من المجالات التي ترى فيها ضعفاً في الردع الأميركي، وتتوقع ظهور اتجاه مماثل في علاقاتها مع إفريقيا. وفي هذا السياق، يبرز مثال في تسليط وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني الضوء على إفريقيا كمصدر قيّم للذهب، ما يشير إلى إمكان الالتفاف على العقوبات من خلال تصدير مجموعة من السلع إلى الدول الافريقية والحصول على الذهب في المقابل. وهذه هي في الأصل الاستراتيجية التي نجحت مع فنزويلا.

كيف يستفيد النظام؟

على المدى القصير، يمكن للنظام أن يستفيد من تركيزه الجديد على القارة بطريقتين: أولاً، من خلال توسيع التجارة وبالتالي تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى غير الغربية، كاستراتيجية حاسمة لحماية الاقتصاد الإيراني من الانهيار تحت ثقل العقوبات الغربية. ثانياً، قد يسهل توسيع التجارة مع الدول الافريقية الجهود الايرانية لتطبيع التعاون الاقتصادي مع بعض الدول غير الغربية على الرغم من العقوبات الأميركية. وفي ظل هذه الظروف، يتمثل التحدي الأساس لواشنطن في تغيير التصور الراسخ لدى القيادة الايرانية والتي تعتقد أن الولايات المتحدة تفتقر الى خطة بديلة!”.

شارك المقال