عون… وعود عدالة مرمية بين حطام المحاصصة الطائفية

هيام طوق
هيام طوق

على مسافة أسابيع من الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، استبشر  اللبنانيون وأهالي شهداء المرفأ خيراً بالمسار الذي اتبعه قاضي التحقيق في قضية الانفجار طارق بيطار، واعتبروها خطوة جريئة وشجاعة على طريق تحقيق العدالة إلا أن التخوف من اصطدامها بعقبات سياسية وطائفية يبقى هاجساً لدى الجميع، خصوصاً بعد أن بدأت بوادر هذا المسار الصعب تظهر مع تسجيل اعتراضات من جهات فاعلة ومؤثرة، تحدثت عن استهداف سياسي في القضية، وإلى استنسابية في التعامل حيث إن المحقق العدلي ادّعى على جهات معينة وأهمل آخرين، وأنه لم يعتمد وحدة المعايير.

رغم ذلك، يبدو أن القاضي بيطار ماضٍ قدماً في مسار التحقيقات والملاحقات القضائية، لكن مهمته لا تبدو سهلة بل مليئة بالصعوبات نظراً لحجم الملف وتعقيداته.

تعقيدات كثيرة في الطريق الطويل، وعصي في دواليب العدالة وضعت منذ اليوم الأول من الانفجار في 4 آب الماضي، والوعود الكاذبة تناثرت أشلاؤها في سماء لبنان، وأصابت كل لبناني بخيبة أمل ما بعدها خيبة حين وعد رئيس الجمهورية ميشال عون الشعب اللبناني العظيم بإجلاء الحقيقة خلال 4 أو 5 أيام على أبعد تقدير، وها هي الحقيقة  اليوم مندثرة، مشلعة، مرمية بين حطام الانفجار، على مشارف 364 يوماً. لا حقيقة ولا من يحزنون. والسؤال الذي يطرحه كل لبناني: هل كان رئيس الجمهورية يكذب علينا لامتصاص غضب الشعب المنتفض على الطبقة السياسية التي لم تترك وسيلة للتنكيل بشعبها؟ هو العالم أكثر من غيره بالبير وغطاه. انطلاقاً من حجم الكذبة التي أتت على قدر حجم الانفجار والتدمير، لم يعد اللبناني يثق لا برأس الدولة ولا بأسفلها. أليس الرئيس عون من قال: “العدالة المتأخرة ليست بعدالة، ويجب أن تكون فورية لكن دون تسرع”.

وبعد، أليس الرئيس ميشال عون هو رأس الدولة، فلماذا يعتب على الوسائل الإعلامية والصحافيين حين يقولون إنه لم يتخذ أي إجراءات عندما علم بوجود مواد متفجرة في مرفأ بيروت في 21 تموز قبل الانفجار؟ حيث جاء بيان الرئاسة على النحو التالي:ؤ”المرة الأولى التي اطلعت فيها على وجود كميات من نيترات الأمونيوم في المرفأ كانت من خلال تقرير للمديرية العامة لأمن الدولة وصلها في 21 تموز. وفور الاطلاع على التقرير طلب الرئيس عون من مستشاره الأمني والعسكري متابعة مضمونه مع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع”، لافتا إلى أن “الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع أبلغ في 28 تموز المستشار الأمني والعسكري للرئيس أنه يعالج الموضوع، وأنه أرسل كتاباً إلى وزارة الأشغال، تسلمته في 3 آب 2020 (أي قبل الانفجار بيوم واحد)”. والسؤال البديهي والبسيط والعفوي بعيدا عن المراسلات والرسميات، هل تنتظر الكميات الهائلة من المتفجرات والتي كان بإمكانها نسف العاصمة عن بكرة أبيها، الإجراءات القانونية والترتيبات والتطبيقات البروتوكولية للتحرك أم أنها كات تستوجب قرارات حاسمة وسريعة وإعلان حالة طوارئ وإخلاء المرفأ والمدينة من أهلها الذين كانوا نجوا بأرواحهم وأرزاقهم لو كان الممسكون بالسلطة يتمتعون ولو بحفنة صغيرة من المسؤولية.

وللحديث تتمة عن جريمة المرفأ وما رافقها من إهمال وارتكابات. وقعت الواقعة، لكن رئيس الجمهورية كان همه الوحيد حينها عدم المطالبة بتحقيق دولي لأن “المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية مرفأ بيروت الهدف منه تضييع الحقيقة”. نعم، هذا هو رأي رأس الدولة. وهذا يرشدنا إلى استخلاص التالي: إذا كان التحقيق الدولي يضيّع الوقت، فهذا يعني أن من المفروض أن تكون الحقيقة باتت جلية، واضحة من بعد سنة على الانفجارعلى التحقيق اللبناني، وأن صاحب كل ذي حق أخذ حقه، وانتصرت العدالة، وارتاحت نفوس الشهداء في عليائهم . لكن، ما حصل عكس ذلك تماماً لا حقيقة ولا تقدم قيد أنملة في تحقيقات يعتبرها كل العارفين والقانونيين أنها لن تصل إلى أي مكان، ولن تنجلي الحقيقة يوماً في انفجار المرفأ إذا بقي التحقيق محلّياً لأنه بكل بساطة لا القضاة ولا قصر العدل يمكنه أن يحمل مثل هكذا اتهامات. ثم لماذا التخوف من تحقيق دولي؟ هل الخوف من اظهار حقيقة ما من خلال الوثائق والصور وما يمكن أن تظهره الأقمار الصناعية؟.

إقرأ أيضاً: صخب الحصانة… “الأشرفية أولاً” بين التيار والقوات

ونتابع مع رئيس الجمهورية الذي امتنع عن توقيع مرسوم إعفاء مديرعام الجمارك بدري ضاهر من منصبه بزعم “تطبيق مبدأ المساواة” بين الموظفين، بهدف حماية أتباع “التيار الوطني الحر” بعد شبهات فساد طالته. حينها وقع وزير المالية غازي وزني، ورئيس مجلس الوزراء المستقيل حسان دياب قرار إعفاء ضاهر. وطبّق وزني ودياب بذلك قرار الحكومة في 10 آب الماضي القاضي بالموافقة على وضع جميع الموظفين من الفئة الأولى والذين تقرر أو سيتقرر توقيفهم في ملف المرفأ، بتصرف رئيس مجلس الوزراء، مع إعفائهم من مهام وظائفهم. ويكون بذلك الرئيس عون قد خالف بذلك قرار الحكومة، لكنه علله بالقول إنه طلب، عملاً بمبدأ المساواة، إصدار جميع المراسيم المتعلقة بالموظفين المعنيين بقرار مجلس الوزراء، في إشارة إلى مسؤولين آخرين. يعني بالمختصر المفيد، المكتوب يقرأ من عنوانه. المحاصصة الطائفية الناجية الوحيدة من الانفجار، والتي جاءت لتعلن رايات النصر فوق نعوش الشهداء، ولترفع لافتة على مدى الوطن كتب عليها: الحلم بحقيقة لبنانية من نسج الخيال.

والأحاديث تطول وتطول عن فخامة رئيس رفض في يوم أسود أن يستقبل أهالي شهداء، أو أن يطيّب خاطرهم ولو بكلمة رغم البيانات الصادرة عن القصر الجمهوري والتي اعتبرت أن خبر رفض الرئيس استقبال عوائل الشهداء كاذب. وبعد أكثرمن ثمانية أشهر، دبّت الرأفة في قلب بي الكل، وقرّرت دوائر قصر بعبدا استقبال وفد من أهالي شهداء فوج الإطفاء. فتم تحديد موعد للأهالي إلا أن القصر الرئاسي عاد وتراجع، بحجة أن موقف الأهالي “لا ينسجم مع تطلّعات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”، وأنه “لا يمكن توجيه أسئلة معيّنة إليه ولا مخاطبته بأسلوب غير لائق”، بحسب ما يقول أهالي الشهداء الذين تلقوا اتصالاً من العميد ميلاد طنوس، ويقول بلهجة شديدة أنه لا يمكن التقدّم بأسئلة مماثلة إلى الرئيس، “ممنوع حدا يحكي هيك مع الرئيس”. فعلاً احترام التخاطب واجب، واللياقة في التعاطي أيضاً واجبة، لكن التغاضي عن وجود آلاف أطنان نيترات الأمونيوم وإهمال وجودها وسوء إدارة الملف، ماذا يمكن تسميته؟ وكيف يمكن تصنيفه؟ وهل من يتلوى بنار الخسارة حيث الجمر لا يحرق إلا قلوبهم، يمكن أن نطلب منهم أن يتحدثوا بكلمات منمقة، وبعبارات ثناء وتقدير لرئيس من المفترض أن يكون بي الكل، ويتألم لآلامهم، ويكون سندهم لا بل يكون حامل قضيتهم في تبيان الحقيقة وتحقيقاً للعدالة، هو الذي قال ذات يوم: “هدفنا اليوم تبيان حقيقة انفجار المرفأ وتحقيق العدالة وأبواب المحاكم ستكون مفتوحة أمام المذنبين الكبار والصغار على حد سواء”.

ويبقى أن نقول “إن وعد الحر دين”.

شارك المقال