بتعيين سفير في فلسطين… السعودية تتمسك بمبادرة السلام العربية

زياد سامي عيتاني

في خطوة تاريخية، تحمل رسالة قوية بتوقيتها ومضمونها وأبعادها، سلّم السفير السعودي لدى الأردن نايف بن بندر السديري السبت الماضي، نسخة من أوراق اعتماده سفيراً فوق العادة مفوضاً، وغير مقيم لدى فلسطين، وقنصلاً عاماً في مدينة القدس، إلى مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الديبلوماسية مجدي الخالدي.

وأعلنت السفارة السعودية في الأردن، أن “تسليم الأوراق تم خلال مراسم أقيمت في مقر سفارة دولة فلسطين في عمّان، بحضور السفير الفلسطيني لدى الأردن عطا الله خيري”، مشيرة إلى أن “السفير نايف بن بندر السديري، سيكون أول سفير للسعودية لدى السلطة الفلسطينية”. وتقليدياً، كانت تتولى سفارة في عمّان ملف الأراضي الفلسطينية.

تشكل هذه الخطوة، نقلة عملية ومتقدمة في العلاقات الفلسطينية – السعودية، لجهة تأكيد المملكة وتثبيت اعترافها بالدولة الفلسطينية، وتفعيل القرارات الدولية بشأنها، خصوصاً وأن للمملكة دوراً تاريخياً وكبيراً في القضية الفلسطينية، ولديها إلتزام ثابت تجاه القضية، بحيث أن وجود السفارة، يعبّر عن تطوير العلاقة مع الفلسطينيين، وينفي كل المزاعم الأميركية والإسرائيلية بقرب تطبيع العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وتل أبيب، التي لا تعدو كونها أوهاماً وسراباً. والدليل على ذلك، ما أعلنه البيت الأبيض الأربعاء الماضي، أن “لا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى اتفاق تعترف السعودية بموجبه بإسرائيل”، وأنه “يتعين خوض محادثات كثيرة قبل توقيع مثل هذا الاتفاق”.

وجاء هذا الاعلان بعد ساعات من نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً قالت فيه: “إن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق التطبيع مع إسرائيل”. لكن المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي قلل من شأن ما أورده التقرير، مشيراً في إفادة صحافية إلى أنه “لا يزال هناك الكثير من المناقشات التي ستُجرى هنا”.

أضاف: “ليس هناك اتفاق على مجموعة من المفاوضات ولا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى تطبيع أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقاؤنا في المنطقة”.

فالسعودية تتمسك بموقفها الثابت والراسخ بشأن القضية الفلسطينة، وذلك وفقاً لمبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، عام 2002، ووافقت عليها الدول العربية بالاجماع.

وتنص المبادرة على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين، وانسحاب “إسرائيل” من هضبة الجولان السورية المحتلة.

وإنسجاماً مع ثوابتها، لم تنضم المملكة إلى “اتفاقيات أبراهام” المبرمة عام 2020 بوساطة الولايات المتحدة، والتي أرست بمقتضاها الدولة العبرية علاقات رسمية مع الامارات العربية المتحدة والبحرين.

وكان آخر أشكال الدعم السياسي السعودي للقضية الفلسطينية خلال القمة العربية التي احتضنتها جدة في أيار الماضي. ففي ختامها أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتأكيد على مركزية هذه القضية عربياً، وعلى المبادرة العربية سبيلاً لحلها.

ودان الاعلان بأشد العبارات الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة، داعياً المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال، ووقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية، وتقويض جهود السلام الدولية. وشدد على ضرورة مواصلة الجهود الرامية الى حماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها في وجه المساعي المدانة للاحتلال الاسرائيلي لتغيير ديموغرافيتها وهويتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها.

وبالعودة الى تعيين السفير، فإن الخطوة السعودية، تهدف الى إرسال رسالة لاسرائيل وللولايات المتحدة مفادها “لا تطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس”.

يشار في هذ السياق، إلى أنه سبق لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، التأكيد أن بلاده لن تقوم بالتطبيع مع “إسرائيل” من دون إقامة دولة فلسطينية.

وأوضح في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية السعودية عبر حسابها في منصة “X”، أن “التطبيع والاستقرار الحقيقي لن يأتيا إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل من خلال منحهم الكرامة، وهذا يتطلب منحهم دولة”.

لا بد أخيراً من أن تدرك إدارة جو بايدن التي ترمي بكل ثقلها لتسريع التطبيع بين السعودية والعدو الاسرائيلي، خدمة لمصلحها الانتخابية، أن ولي العهد السعودي ومن ضمن إستراتيجيته العميقة، فإن حل القضية الفلسطينية من خلال قيام دولة مستقلة، عاصمتها القدس، هي واحدة من أبرز البنود، التي تتوقف عليها العلاقات السعودية – الأميركية، بعد إنفتاح الرياض على كل من روسيا والصين.

شارك المقال