مبادرة “الأم الحنون” لم تفشل… ورسالة لودريان لزوم ما لا يلزم

آية المصري
آية المصري

بدأت المبادرة الفرنسية تحت عنوان تسريع الوصول الى رئيس للجمهورية اللبنانية منذ عدّة أشهر، ولم تكن سوى عبارة عن مقايضة نوعية وتجارية خصوصاً وأن فرنسا مهتمة بلبنان من حيث مصالحها الاقتصادية وتحديداً في الشق المرتبط باستخراج النفط عبر شركة “توتال” الفرنسية، وهذا ما يزيد من مكاسبها النفطية، لذلك دخلت في مقايضة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة (نواف سلام)، لتسقط لاحقاً وتفقد فرنسا دورها الوسيط، وهذا ما تجلى في نعي البيان الخماسي مبادرتها الرئاسية الأخيرة.

وبعدما كانت فرنسا “الأم الحنون” نراها اليوم تضرب الديبلوماسية من خلال الخطوات التي تقوم بها، فبعد تعيين وزير خارجيتها السابق جان إيف لودريان، مبعوثاً خاصاً إلى لبنان في محاولة لإيجاد حل للأزمة المتفاقمة فيه، وإستماعه خلال زيارتين الى مختلف الكتل السياسية ليبني على الشيء مقتضاه، أظهر عدد كبير من النواب امتعاضاً كبيراً نتيجة تسلمهم رسالة من لودريان تطلب منهم الاجابة خطياً قبل نهاية الشهر الجاري عن سؤالين حول مواصفات رئيس الجمهورية وأولويات عهده الجديد، فهذه الرسالة تشكل سابقة من نوعها تتعارض مع مبدأ السيادة اللبنانية وتتنافى مع أبسط القواعد الديبلوماسية، ما جعل المعارضة تصدر بياناً موحداً تشرح فيه موقفها.

وقبل أسبوعين من بدء شهر أيلول الحاسم، وعودة لودريان المقررة واجتماعه الشامل والعام مع مختلف القوى السياسية الرئاسية، لا بد من معرفة ما اذا كانت المبادرة الفرنسية قد فشلت؟ وهل من مساعٍ جديدة للودريان في الأيام المقبلة؟

أشارت أوساط نيابية عبر “لبنان الكبير” الى أن “الأمور والنقاط المطروحة لن تصل الى نتيجة حقيقية، كما أنها ليست في الاتجاه الايجابي، خصوصاً بعدما أرسل لودريان رسالةً يطالب فيها النواب بأن يجيبوه على أسئلته، فالأوضاع ليست مسهلة”. ووصفت رسالة لودريان بـ “لزوم ما لا يلزم، ولن توصلنا الى أي نتيجة حقيقية، فأي مواصفات سنكتبها بعد مرور كل هذا الوقت، والدخول في لعبة المواصفات لن يوصلا الى أي نتيجة ويجب الالتزام ببرنامج واضح يوصلنا الى نتيجة أكثر من مواصفات الرئيس المقبل”.

ورأى عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “المبادرة الفرنسية لم تفشل ولم تنتهِ، وأبلغنا المبعوث الفرنسي الخاص جان إيف لودريان كمعارضة في بيان موحد أننا لا نرى أي داع للحوار كما كان مطروحاً في ظل التصرفات التي يقوم بها الفريق الآخر وتحديداً حزب الله”، مشيراً الى أن “مواصفات الرئيس المقبل تحدثنا فيها عدة مرات وهي تتطابق مع البيان الذي صدر عن اجتماع الدول الخمس في قطر، والخطوة الأولى المتعلقة بالمواصفات مقدمة من جهتنا علناً”.

ووصف الرسالة الفرنسية التي تلقوها بأنها “خطوة غير مدروسة، وتتخللها تساؤلات حول موضوع السيادة، وسيادة مجلس النواب وأصول التواصل وغيرها”، معتبراً أن “كل هذه العوامل تقول لنا ان الوقت لهذا النوع من الطرح بات قاطعاً، ومن غير المعروف الى أين سيصل، وهل هناك ضمانات بأن تكون هناك جلسات انتخابات تتبع أي خطوة يتخذها لودريان في أيلول، وبالتالي هناك الكثير من الأمور التي تحتاج الى توضيح، ويبدو أن هذه الخطوة لا تضيف شيئاً على بيان اللقاء الخماسي في قطر”.

وأوضح حاصباني “أننا رحبنا بكل المساعي الايجابية لكن الوقت قصير عليها، والنتائج تخطيناها بطرح أسماء رئاسية للانتخابات وليس اليوم هو الوقت المناسب للتفكير في المواصفات، والعودة الى نقطة المواصفات والمقاربة طويلة الأمد التي يأتي بعدها تجميع للنقاط المشتركة تمهيداً لجلسة انتخابية تحدث فيما بعد من دون ضمانات، وبالتالي كل هذه الخطوات تقدمنا فيها لا بل تخطيناها قبل حدوث المبادرة الفرنسية، مع العلم أنها مبادرة جيدّة”.

وتساءل: “السؤال الأهم الى ماذا تهدف بالفعل هذه المبادرة؟ وهل ستكون لها حظوظ في الوصول الى مرشح أو رئيس للجمهورية في الفترة الزمنية المعطاة لها أي أواخر أيلول قبل الانتقال الى مرحلة جديدة؟”.

وحيال تبني الجانب الفرنسي طرحاً جديداً بعد فشل طروحه السابقة، شدد حاصباني على “أننا لا نعلم ما اذا سيكون للودريان طرح جديد أو تحول في المسار والمقاربة، وكل هذا يتوقف على كيفية بحثهم عن مخارج لهذا الموضوع، ولكن لا يمكننا أن ننسى أن سليمان فرنجية حصل على 51 صوتاً وجلسة التشريع اليوم (امس) حضرها فقط 53 نائباً، وفي هذا الجو الفريق المعطل للانتخابات الرئاسية يجب أن يلاحظ أنه لا يملك القدرة على كسر القواعد بهذا الشكل، وعلينا جميعاً أن نتجه الى انتخاب رئيس والخروج من التعطيل القائم باتجاه الاصلاحات بصورة سريعة بدءاً من المفتاح الرئيس للمرحلة المقبلة انتخاب الرئيس المقبل، ومن الممكن أن تحدث تغييرات ولست أكيداً منها لأن لا معطيات حول هذا الموضوع”.

وعن مسار المعارضة في الفترة المقبلة، أكد حاصباني “أننا كمعارضة في حال استمر الجو كما هو عليه، سنكمل في المرحلة المقبلة بالمسار ذاته ولن يكون هناك أي تعديل في مسارنا، الا اذا حدث تغيير جذري في مقاربة الأمور وليس في مقاربة الانتخابات الرئاسية وحسب، بل في مقاربة العمل السياسي كله”.

في المقابل، رأى أمين سرّ تكتل “الاعتدال الوطني” النائب السابق هادي حبيش أن “المبادرة الفرنسية لم تصل حتى هذه اللحظة الى أي نتيجة، وهناك بعض العقبات يظهر من خلال مواقف بعض الكتل السياسية”، موضحاً “أننا كتكتل لم نتخذ بعد موقفاً رسمياً من رسالة لودريان الأخيرة”.

وأيدت مصادر كتلة “التنمية والتحرير” موقف تكتل “الاعتدال”، مؤكدةً عدم إجتماعها ككتلة لمناقشة الرسالة ولاتخاذ القرر النهائي، لكن في القريب العاجل سيكون لديهم جواب واضح وصريح.

يتضح من كل ذلك، أن الخطوات التي ربما ستتخذها فرنسا في شهر أيلول مع عودة مبعوثها الخاص، لا تزال مجهولة، فهل ستتراجع عن مبادرتها بصورة نهائية وتعترف أمام جميع القوى الداخلية والخارجية أنها فشلت في معالجة الأزمة اللبنانية؟

شارك المقال