“المجلس الشيعي” يحاول قمع “الخوارج”

لبنان الكبير

عقب مشاهد قبل “السحسوح” وبعده، ومشهدية “بعتذر من كعب صباطك يا سيد”، أطل علينا مشهد جديد بالأمس في البيئة الشيعية، وهذه المرة من أعلى سلطة دينية فيها المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، الذي أصدر قراراً بحق عدد من الشيوخ اعتبرهم “غير مؤهلين للقيام بالارشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الاسلامية الشيعية، إما للانحراف العقائدي أو للانحراف السلوكي أو للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء الى الحوزة العلمية”، مشيراً الى أن الشيوخ المذكورين في البيان “غير مؤهلين لارتداء الزي الديني وإنذارهم بخلعه تحت طائلة اعتبارهم منتحلي صفة رجل دين وإجراء المقتضى القانوني بحقهم”. واللافت أن القرار استهدف شيوخاً من خارج بيت طاعة الثنائي الشيعي، حركة “أمل” و”حزب الله”، بل إن غالبية من صدر بحقهم القرار معروفة بانتقادها سياسة الثنائي، وأداءه في الحكم، وتتهمه بدور كبير في ما وصل إليه البلد.

هي ليست المرة الأولى التي تجري فيها محاولة قمع أي صوت معارض، في الوسط الشيعي، فلطالما تعرض المعارضون للتهديد والترهيب وسحب كلماتهم، ووصلت الأمور أحياناً الى الضرب والاعتداء، وحتى الى درجة القتل كما حصل مع الراحل لقمان سليم. ولطالما تبرّأت قيادات الثنائي الشيعي من كل الأحداث، معتبرة أنها حوادث فردية من متحمسين، ولكن يبدو أن موضوع الشيوخ مختلف، فهو يحتاج إلى سلطة دينية كبرى لوضع هؤلاء المعارضين في بيت الطاعة أو في دائرة الاستهداف، وهذا هو سبب صدور قرار من المجلس الشيعي بتجريدهم من صفتهم الدينية، إلا أن من أصدر القرار ربما لم ينتبه الى أن الدستور اللبناني يحفظ حرية المعتقد، وبالتالي أقصى ما يمكن أن يقوم به المجلس هو قطع علاقته بهم، ولكنه لا يستطيع ملاحقتهم قانونياً لأنهم يقومون فقط بالتبليغ الديني، ولا يمكن التحجج بقوانين تنظيم الطوائف، فالدستور شدد على حرية المعتقد ولبنان بلد يسير وفق قوانينه ودستوره لا وفق أهواء طوائفه.

من المعروف في الطائفة الشيعية أن لدى “حزب الله” مشكلة مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وهذا أمر طبيعي لحزب لا يرى الحق إلا عبر “ولاية الفقيه”، وقد تعرض فضل الله لحملات ممنهجة في حياته ولم تتوقف حتى بعد مماته، فالحزب يريد أن يدجّن البيئة الشيعية لتصبح كلها موالية لوليه الفقيه في إيران، وممنوع أن تكون هناك مرجعيات أخرى تحديداً في لبنان، وهذا الأمر خاضه الحزب سابقاً في حربه على حركة “أمل”، التي كان عناصرها متعددي التقاليد.

الشيخ ياسر عودة، الذي هو من مدرسة المرجع فضل الله، كان على رأس اللائحة التي صدرت عن هيئة التبليغ الديني في المجلس الشيعي، واشتهر بمحاضرات كان يقسو فيها على “حزب الله” وإدارته للدولة، وكيف يعيث فساداً ودماراً في البلد تحت شعار “المقاومة”.

بعد البيان، أطل الشيخ عودة على وسائل الاعلام قائلاً: “إذا أرادوا عمامتي فليأتوا ويأخذوها”. ولفت الى أن “المضحك المبكي أن من يحتاج الى شهادة بأهليته يعطي شهادات للناس في الوقت الذي تاريخي معروف بالحوزة العلمية منذ 30 سنة”، مؤكداً “لست أنا من بعت الأوقاف والمساجد، ولست أنا من استورد الملابس الداخلية على اسم المجلس الشيعي، ولست أنا من أعطل قضايا النساء في المحاكم الشرعية، ولست أنا من أرضخ لتلفون فأعطل حياة امرأة لسنوات وسنوات، أو غيرها من المشكلات العديدة”. وأوضح أنه ليس متفاجئاً بالقرار وهي ليست المحاولة الأولى لنزع عمامته.

البيئة الشيعية تعاني الكثير الكثير، المناطق تعيش تحت حكم المافيات التي تتقاسم النفوذ في الشوارع، وتحت رحمة أصحاب المولدات، تعيش تفشياً مميتاً للمخدرات وآفة القمار، حتى أن القمامة يتقاسمها أصحاب النفوذ.

البيئة الشيعية تدفع خوات كي لا يتعرض لها أزعر فالت من هنا أو هناك، ومرتبط حزبياً بطريقة أو أخرى، وقد أصبحت الاشكالات اليومية في البيئة الشيعية والتي يتخللها إطلاق نار من سمة مناطقها، ولعل لهذا السبب تجري محاولة إسكات أي شخص يرفع الصوت، وهذه المرة أتى الدور على الشيوخ “الخوارج”، الذين يجب أن يتضامن معهم كل رافض للواقع المفروض، وإلا ستستمر الأمور على ما هي عليه، ولن يحصل التغيير أبداً.

شارك المقال