المبادرة الفرنسية تنحدر إلى “إستبيان” للنواب!

زياد سامي عيتاني

بالتزامن مع تزايد حدة التأزم في مختلف الملفات اللبنانية المتشعبة والمتداخلة سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، بعد أسبوع حافل بالتطورات التصعيدية التي تم إحتواؤها، وفي الوقت الذي كان ينتظر من الموفد الفرنسي إلى لبنان جان ايف لودريان العودة مجدداً إلى بيروت مطلع أيلول، بعدما تكون قد تبلورت مشاوراته ومحادثاته مع الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية، وأفضت إلى مشروع مبادرة حل ما، فوجئت الأوساط السياسية، بإنحدار المبادرة الفرنسية إلى “إستبيان” مذل ومهين للنواب، أشبه بأسئلة إمتحانات لطلاب لم يبلغوا سن الرشد السياسي! فقد أودعت السفارة الفرنسية مجلس النواب ظرفاً يتضمّن دعوات الى النواب للإجابة عن أسئلة بشأن المواقف من الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية أيلول. وفي داخل الظرف مغلّفات موجّهة إلى رؤساء الكتل من دون ذكر أسماء مرشحين تطلب إجابات بشأن المهام المطلوبة من رئيس الجمهورية والمواصفات اللازمة لتحقيقها (مستقاة من بياني نيويورك الثلاثي، الأميركي – الفرنسي – السعودي حول لبنان، وخماسية باريس التي اجتمعت أخيراً في الدوحة).

وتشير مصادر متابعة إلى أن الجانب الفرنسي سيعمد إلى جمع الأجوبة وصياغتها في خلاصة يتم على أساسها النقاش مع القوى السياسية الممثلة في البرلمان، وبالتالي فإن المسار الفرنسي سيتحدد وفق الاجابات التي تتقدم بها الكتل النيابية، إذ إن لودريان سيضع إستناداً إلى الأجوبة، خريطة طريق للمرحلة المقبلة، مع الابقاء على كل الخيارات مفتوحة، بما في ذلك تأجيل أو حتى إلغاء زيارته، في حال لم يلمس قواسم مشتركة، يمكن البناء عليها، لاستكمال مهمته. وبغض النظر عن جدوى هذه الخطوة، على الرغم مما تنطوي عليه من خفة في التعاطي مع أزمة عميقة ومستعصية كالأزمة اللبنانية، فإن الرسالة لاقت إمتعاضاً شديداً في مختلف الأوساط، كونها تشكل سابقة خطيرة من نوعها، تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية، وأبسط القواعد الديبلوماسية، خصوصاً من فرنسا التي تربطها علاقات تاريخية بلبنان، ومشهود لها بأنها دولة عريقة بممارساتها الدستورية وباحترامها للقواعد الديبلوماسية ولأصول التعاطي!

أما في المضمون، فما يدعو الى الاستغراب، أن لودريان طلب أجوبة عن سؤالين، سبق أن حصل على مواقف بشأنهما من مختلف الفرقاء، في زيارته الثانية إلى بيروت، وأصبح على بيّنة من رأي الكتل السياسية منها. وأبعد من ذلك، فإن مجموعة الدول الخمس، فرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وقطر، قد حددت في البيان الصادر عنها في آخر إجتماع لها في الدوحة المواصفات المطلوب توافرها في شخص الرئيس العتيد، حتى يحظى بمظلة دولة وعربية!

بمعزل عن ردود الفعل ومواقف الكتل من هذه الخطوة، فإنها تطرح سؤالاً مركزياً: هل ان هذه الخطوة هي بديل عن الحوار الذي كان يحاول لورديان عقده، معتمداً على الطريقة اللبنانية في التحايل على تسميته، بعدما لمس رفضاً من قوى أساسية لأي حوار بغياب رئيس الجمهورية، أم أنها تندرج في سياق التحضير لأي صيغة أو مسمى للحوار؟ ومشروعية هذا السؤال تكمن في وقت تتوزع المواقف بين من يشير إلى ضرورة انعقاد الحوار إلى حين الوصول إلى تفاهم وإقناع أحد الأطراف الطرف الآخر، مقابل كتل أخرى تشدد على ضرورة الذهاب فوراً الى عقد جلسات إنتخابية من دون الحاجة إلى طاولة حوار.

في الاطار، تؤكد مصادر مطلعة أن “الهدف من الرسالة توضيح المواقف بصورة مكتوبة، وثابتة، ما يسهل عملية التواصل بين الفرقاء اللبنانيين، ويوضح أكثر خريطة الطريق”. وتقول: “في موازاة هذه الخطوة، فإن الجهود الدولية مستمرة لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته، لكن على الفرقاء اللبنانيين تلقف هذه المساعي، والعمل من أجل التوافق، وبالتالي، لن تنجح أي مبادرة إذا لم تكن هناك إرادة لبنانية جدية للحلّ”.

وتلفت المصادر إلى أن “الثامن عشر من أيلول موعد انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتفيد بعض المعلومات بأن لقاء قد يعقد على هامشها، بين مسؤولين من الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، بحيث من الضروري أن يكون الجانب الفرنسي قد حصل على إجابات الكتل النيابية، وأعد مسودة أفكار لمناقشتها مع ممثلي باقي الدول الخمس”.

فهل المبادرة الفرنسية، وبالتالي عودة لودريان إلى لبنان، معلقة بإنتظار لقاء ممثلي الدول الخمس على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

شارك المقال