هل تحب الولايات المتحدة المسيحيين؟

عاصم عبد الرحمن

وُقع اتفاق القاهرة في 3 تشرين الثاني 1969 في عهد الرئيس شارل حلو، الذي منح الشرعية للمقاومة الفلسطينية في لبنان واعترف بالوجود السياسي والعسكري لمنظمة التحرير وأطلق الحرية للعمل الفدائي انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وحمى الفلسطينيين من محاولات متعددة الأطراف لنزع سلاحهم، وقد شكَّلَ هذا الاتفاق ولا يزال هاجساً لدى اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً على الهوية والذات المتجذرة في الأرض، فأين الأميركيون رعاة التسويات تاريخياً من هذه الهواجس؟

تعقيباً على مقال كتبناه في موقع “لبنان الكبير” في 2 حزيران 2023 تحت عنوان “أسماء وخيارات: هذا ما دار بين الراعي وماكرون!” والذي تمحور حول موقف المسيحيين من فرنسا التي لم تعد الأم الحنون وهو ما ترجمته في مبادراتها متعددة الأوجه والأساليب لإنهاء الشغور الرئاسي في سياق يصب في مصلحة “حزب الله” بما يتوافق والمصالح الفرنسية من إفريقيا مروراً بطهران وحتى مرفأ بيروت، طلبَ سياسيٌ مسيحي عتيق اعتزل الشأن العام منذ الانتخابات النيابية العام الماضي التحدث إلى “لبنان الكبير” حول موقف أكثر أهمية من واقع المسيحيين على امتداد تاريخ لبنان الحديث وهو “الموقف الأميركي”.

جلس النائب والوزير السابق على أريكته التي يحب بجانب النافذة المطلة على الممر الخارجي لباب المنزل مواكبةً لأي ضيف قادم، أخذ قهوته وأشعل سيجارته ثم أمسك بورقة وطلب تدوين ثلاث نقاط لطالما شغلت حيزاً كبيراً من تفكيره هي الآتي:

1- الإنزال الأميركي على الشاطئ اللبناني عام 1958 والذي تمَّ بطلب من الرئيس كميل شمعون الذي كان يسعى إلى تمديد ولايته، اعتقد المسيحيون يومها أن الأميركيين جاؤوا لتثبيت حكم حليفهم شمعون الذي أيَّد حلف بغداد ومشروع “أيزنهاور” الذي استهدف السيطرة على موارد الشرق الأوسط، إلا أن الهدف الحقيقي من ذاك الإنزال هو تثبيت حكم الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة على أثر وقوع الإنقلاب العسكري وإسقاط النظام الملكي في العراق في 14 تموز 1958 والخشية من تمكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر المتعاون مع الاتحاد السوفياتي والذي كان يحكم مصر وسوريا في ظل الجمهورية العربية المتحدة. تفاءل الشمعونيون بالدعم الأميركي لترجيح كفة انتصارهم في الثورة القائمة في البلاد بين معسكرَيْ حلف بغداد والقومية العربية أي بين المسيحيين والمسلمين، لكن سرعان ما انتهت الثورة بقبول الأميركيين بتسوية قضت بانتخاب صديق المسلمين والعرب وعبد الناصر قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

2- أيَّدت الولايات المتحدة الأميركية اتفاقاً سُمي بـ “الوثيقة الدستورية” وقعه الرئيسان سليمان فرنجية ورشيد كرامي في سوريا في 22 كانون الثاني 1976، وكان من أبرز بنود تلك الوثيقة إعادة توزيع الحصص الطائفية وتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء السني على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني.

3- في 18 نيسان 1983 تعرضت السفارة الأميركية في بيروت لتفجير تسبب بمقتل 63 شخصاً اتهمت حكومة الولايات المتحدة على الأثر “حزب الله” بالوقوف وراء التفجير ومقتل الأميركيين. وفي 23 تشرين الأول من العام نفسه تعرض مقر مشاة البحرية الأميركية “المارينز” في بيروت لتفجير عبر شاحنة مفخخة أسفر عن مقتل 241 عسكرياً أميركياً بالإضافة إلى مقتل 58 جندياً فرنسياً في هجوم مماثل في اليوم نفسه، واتُهم “حزب الله” بتنظيم ذاك الهجوم بدعم وتمويل إيرانيَيْن.

ينهي ابن العائلة السياسية التاريخية حديثه بسؤال والحزن يلوّن ملامحه: ماذا فعل الأميركيون عقب التفجيرات التي اتهم فيها الوليد الإيراني الحديث حينها “حزب الله”؟ ثم يجيب مبتسماً بخيبة: “تركونا ومشوا ومنذ ذلك الحين سقط أو أُسقط لبنان في براثن المشروع الإيراني في المنطقة”.

سأل الرئيس الأميركي جيرالد فورد مبعوثه إلى لبنان دين براون أمام وزير خارجيته هنري كيسنجر: هل المسيحيون عرب؟ تساؤل ربما يشير إما إلى جهل الرئيس بلبنان وقضاياه وهو سؤال لا يمكن قبوله من رئيس دولة عظمى، وإما إلى تشجيع كيسنجر على إتمام مشروع تهجير المسيحيين أو ممارسة الضغط عليهم للقبول بتوطين الفلسطينيين لإخلاء الأراضي الفلسطينية وبناء دولة إسرائيل وهو ما جعل الأميركيين يسلمون رقاب اللبنانيين إلى حافظ الأسد تحت غطاء القضاء على منظمة التحرير.

شارك المقال