هل يُسقط الحوار المستحيل المبادرة الفرنسية؟

زياد سامي عيتاني

بمعزل عن مفاعيل رسالة “الاستبيان” الفرنسية للنواب اللبنانيين ونتائجها، والتي اعتبرت أنها تندرج في إطار التمهيد لطاولة العمل (تصحيفاً للحوار)، ويزمع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الدعوة إليها في أيلول المقبل، فإن التطورات التصعيدية التي شهدتها الساحة اللبنانية، لا سيما الميدانية المتنقلة منها، والتي قوبلت بسقوف عالية من المواقف السياسية، باتت مؤشراً سلبياً، على استحالة قدرة لودريان على جمع الفرقاء اللبنانيين الى طاولة واحدة، بفعل ترددات الأحداث الأخيرة أمنياً وسياسياً، والتي أفرزت خطاباً سياسياً طائفياً خطيراً، مستحضراً أجواء الحرب اللبنانية (!) واستتبعت بمزيد من الانهيار على الصعيد الاقتصادي المالي، جراء التراشق بالمسؤوليات على خلفيات سياسية، وتعطيل كل محاولات “الترقيع”، التي توفر أقل من أدنى الحد الأدنى لمقومات العيش للمواطنين!

على الصعيد السياسي، وبعد جملة أحداث أمنية على درجة كبيرة من الخطورة، من مخيم عين الحلوة إلى إبل السقي وصولاً إلى الكحالة، وبالتأكيد ليس آخرها قصة “الداعشي” في حي السلم، التي تم إحتواؤها، من دون إخماد جمرها الراكن تحت الرماد، إستنفرت المواقف السياسية التصعيدية النارية في مواجهة باتت مكشوفة بين مكونين لبنانيين، تنذر بحرب سياسية ضروس مفتوحة (من دون سلاح)، لكن قد تكون مفاعيلها الكارثية على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي أشد أثراً! فالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله شنّ حملة شعواء على زعماء وجهات في المعارضة اتهمها بالعمل لاشعال حرب أهلية، كما شنّ حملة مقذعة على محطة “ام تي في” التلفزيونية.

في المقابل، أصدر 31 نائباً من قوى المعارضة لـ”حزب الله” بياناً أكدوا فيه أنه “أصبح جلياً، عدم جدوى أي صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه لاعتماده على الأمر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة إليها عندما يضمن نتائج الآليات الديموقراطية بوسائله غير الديموقراطية فرضاً وترهيباً وترغيباً وإلغاء، كي يستخدمها لحساب مشروع هيمنته على لبنان”. وحذروا من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة “حزب الله”.

وما يزيد الأوضاع تأزماً وإنحداراً إضافة إلى المواجهة السياسية المفتوحة، من دون سقف ولا أفق، الانهيار المالي والاقتصادي المتسارع، الذي ينذر هذه المرة بانطفاء الكهرباء في لبنان (مع ما لذلك من تداعيات مباشرة على قطاعات حيوية أخرى) مع إعلان الشركة المشغّلة لمعملي دير عمار والزهراني تسليم مفاتيحهما لمؤسسة “كهرباء لبنان”، إحتجاجاً على عدم سداد مستحقات لها بالدولار، فيما يقترب حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري من خيارين سيفاقمان من حدة الأوضاع الكارثية، هما:

– كيفية توفير الدولارات لاستبدال ما جبتْه مؤسسة “كهرباء لبنان” بالليرة (وفق اتفاق سابق مع سلفه رياض سلامة) لزوم شراء فيول.

– آلية دفع رواتب القطاع العام نهاية الشهر بالليرة أو بالدولار (وهو ما كان رَفَضَ القيام به من دون غطاء قانوني يتيح استخدام الاحتياطي الباقي). وكلا الأمرين يعنيان زيادة الكتلة النقدية بالعملة الوطنية وتالياً احتمال الضغط على الدولار الأسود ليعاود ارتفاعه. وفي موازاة ذلك، كان مجلس الوزراء ينجز في جلسته مشروع قانون موازنة 2023، عشية جلسة تشريعية لم تعقد لعدم إكتمال النصاب، والتي على جدول أعمالها بنود عدة أبرزها الصندوق السيادي واقتراح قانون “الكابيتال كونترول” الذي يلقى اعتراضات عالية من مودعين دعوا الى التحرك ميدانياً لمنع إقراره.

مع إحتدام المواقف السياسية “النارية”، مقروناً بمزيد من الإنهيار في مالية الدولة، فإن المشهد برمته يؤكد أن الأوضاع اللبنانية متجهة قدماً إلى متاهات جديدة من التأزم البالغ، الذي يطيح كل الجهود التي يبذلها الموفد الفرنسي بمؤازرة باقي الدول الأعضاء في مجموعة “الخمسة”، ويجعل الحوار والتلاقي والتقارب بين الفرقاء اللبنانيين مستحيلاً، ما قد يدفعه إلى تأجيل أو إلغاء عودته الى بيروت الشهر المقبل، وسط مخاوف جدية من أن تكون المبادرة الفرنسية بأكملها قد بلغت مراحلها الأخيرة من الفشل!

شارك المقال