زيارة عبد اللهيان الى السعودية تمهيد للرئيس الايراني؟

زياد سامي عيتاني

شكلت زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض، نقطة تحول في العلاقات الايرانية – السعودية، والايرانية – الخليجية، وربما حملت ترجمة عملية لنتائج تطبيع العلاقات الديبلوماسية والسياسية بين القوتين الاقليميتين. وتأتي زيارة عبد اللهيان، بعد شهرين على زيارة فيصل بن فرحان إلى طهران، وكانت الأولى لوزير خارجية سعودي منذ العام 2006، وعقدا محادثات تناولت قضايا الأمن والاقتصاد والسياحة والنقل. وحينها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إنّ الزيارة هي حلقة أخرى من “نجاح سياسة الحكومة القائمة على حسن الجوار”.

كذلك، أتت الزيارة بعد أسبوع من إستئناف السعودية نشاط سفارتها في طهران، وفق ما ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية، في حين لم تؤكد الرياض ذلك، أو تسمّي سفيراً لدى طهران. وعزت وسائل إعلام إيرانية، التأخّر في إعادة فتح السفارة السعودية، إلى سوء حالة المبنى الذي تضرّر خلال تظاهرات 2016، بعد إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر. بدورها، عيّنت طهران سفيرها السابق لدى الكويت علي رضا عنايتي، سفيراً جديداً لها لدى الرياض، بعدما فتحت سفارتها في حزيران الماضي. وحينها، قالت وزارة الخارجية الايرانية إنّ الزيارة هي حلقة أخرى من “نجاح سياسة الحكومة القائمة على حسن الجوار”. وأكد السفير الايراني في الرياض أنّ بلاده “تعتقد أنّ استمرار المشكلات بين دول الجوار وتحويلها إلى أزمات، لم يخدم سوى مصالح قوى من خارج المنطقة”. وفي سياق الزيارة، يشار إلى أن آخر وزير خارجية إيراني زار السعودية هو محمد جواد ظريف، في العام 2015 لتقديم التعازي بوفاة الملك عبد الله. إذاً، هذا المسار يشير إلى تسارع التطورات في إتجاه تطوير العلاقة بين البلدين بخطى ثابتة، وكذلك المعالجة الموضوعية الهادئة لكل الملفات الخلافية بين السعودية وإيران. فقد أعقبت المصالحة الايرانية – السعودية سلسلة من التغييرات في المشهد الديبلوماسي في الشرق الأوسط، حيث أعادت المملكة علاقاتها مع سوريا، التي استأنفت نشاطها الكامل في جامعة الدول العربية. كما كثفت الرياض جهود السلام في اليمن، حيث تقود تحالفاً عسكرياً يدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين القريبين من إيران. من جهتها، تحركت إيران في الأشهر الأخيرة ديبلوماسياً وعملت على تعزيز علاقاتها مع دول عربية أخرى بهدف الحد من عزلتها وتقوية اقتصادها.

ويتوقع من خلال مواصلة التواصل بين الرياض وطهران دور محوري إقليمي للجانبين خلال الفترة المقبلة، من شأنه أن يسهم بصورة فاعلة في تبريد أكثر من ملف مأزوم، تمهيداً للدخول في معالجات جذرية لها. وما إستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الوزير الايراني لمدة 90 دقيقة، إلا تأكيد على تقدم التفاهمات بين الدولتين.

وفي دلالة أخرى على إنفراج العلاقات بين السعودية وإيران، ما أعلنه الوزير فيصل بن فرحان من أن “المملكة تأمل في زيارة من الرئيس الايراني (إبراهيم رئيسي) تلبية لدعوة من العاهل السعودي (الملك سلمان بن عبد العزيز)”. وفي رده على كلام بن فرحان، أشار عبد اللهيان إلى أن “زيارة رئيسي ستحدث قريباً”، مؤكداً في الوقت ذاته توافق وجهات النظر بين الجانبين على تفعيل الاتفاقات الأساسية. وفي هذا السياق، ذكرت تقارير أنّ الرئاسة الايرانية تخطط لتلبية دعوة الملك سلمان لزيارة المملكة قبل نهاية العام، مشيرة إلى أن زيارة فيصل بن فرحان وإعادة فتح السفارة السعودية في طهران، تعطيان “دفعة قوية” للتخطيط لزيارة رئيسي، وأنها “ستدشن مرحلة مهمة في العلاقات الثنائية”.

لا شك في أن الزيارة مهمة وتعمل على تعميق الاتفاقات والعلاقات وتوسيعها وتوطيدها أكثر، وهي أيضاً مكملة للاتفاقية التي تمت بين الجانبين برعاية صينية، والتي نصت على “تفعيل الاتفاقات التي وقعت في مجالات تعاون مختلفة، وعملية تبادل السفراء، إضافة إلى اللقاءات والزيارات بين المسؤولين في البلدين”. لكن على الرغم من التقدم والانفراج في العلاقات بين السعودية وإيران، فإن ذلك لا يعني حل الخلافات بصورة كاملة، مع وجود قضايا شائكة وملفات معقدة، قد تحتاج إلى حوارات مستمرة لتحجيمها، وصولاً الى حلها في المستقبل، إذا ما سارت الأمور في إتجاهها الصحيح.

معلوم أن السعودية حالياً تركز بصورة رئيسة على حل الخلافات في الجانب الأمني، إضافة إلى الخلافات المتصلة بالطرفين في منطقة الخليج كحرب اليمن وموضوع ملف سوريا، وغير ذلك من الملفات. ولعل أبرز تلك الملفات العالقة بين الجانبين تكمن في ملكية حقل “الدرة” النفطي، التي أصبحت نقطة توتر مؤخراً بين الجانبين، بحيث تؤكد الرياض والكويت أن الملكية المشتركة لهذه الثروة الطبيعية تنتمي اليهما حصراً، في حين تقول إيران إن ترسيم الحدود ينبغي أن يتم خارج إطار القوانين الدولية المعترف بها.

من المؤكد أن تراكم الخلافات والمشكلات ذات الطابع الحيوي والاستراتيجي بين الرياض وطهران على مدى عقود من الزمن، يحتاج حلها الى جهود شاقة ومسار زمني ليس بقصير، يمكن أن تنتجه التقاربات الحالية، إذا ما بقيت الثقة قائمة بين الطرفين الاقليميين البارزين على صعيد المنطقة، عندها تكون قد دخلت عصراً جديداً.

شارك المقال