الامام موسى الصدر نقطة تحول في تاريخ لبنان

السيد محمد علي الحسيني

عرف لبنان عبر تاريخه حقبات صعبة، من مرحلة سيئة إلى أسوأ منها وشهد حروباً ونكسات، لكن الله سخر لهذا البلد الطيب رجالاً جعلهم مصابيح الدجى وسط الظلمات الحالكة، ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي جاء من أقصى المدينة رجل يسعى الى الخير والصلاح والإصلاح، هو الامام السيد موسى الصدر العالم المنفتح والحكيم الذي كان ظهوره بلسماً للفقراء وصوتاً للمحرومين، فقام بدور عظيم جداً في وقت كان لبنان يعيش زوبعة على كل المستويات، وعمل على التقريب بين المذاهب وحمل هم الوحدة الإسلامية، كما عمل على التواصل مع دار الفتوى والانفتاح ومد الجسور مع عموم علماء المسلمين، خصوصاً السنة داخل لبنان وعلى مستوى العالم العربي، مع التأكيد أن المذهب الشيعي ينتمي إلى المذاهب الإسلامية، وهو أصل فيها، فكانت له عدة زيارات إلى الأزهر وإلى المملكة العربية السعودية لنشر رسالة عظيمة مفادها أن وظيفة الدين واحدة لدى المذاهب والأديان والتي تهدف إلى ترسيخ القيم الأخلاقية وتفاعل الحضارات الإنسانية وخدمة البشرية.

الامام الصدر صوت المحرومين وأمل المضطهدين

تصدر الإمام موسى الصدر المشهد في لبنان في أواخر الخمسينيات وتحسس الوضع الاجتماعي البائس آنذاك، فبذل جهوداً كبيرة كان قريباً فيها من كل فئات المجتمع، ولم يكتفِ بالخطب الدينية على المنابر، بل تحرك من وحي معاناة الشعب وانطلق من أرضية صلبة قوامها شد أواصر الأخوة بين المواطنين مهما كانت مذاهبهم وأديانهم للقضاء على التسول والتشرد، وقد نجح فعلاً بمعية المطران غريغوار حداد، واستمر على النهج نفسه وساهم في نشر العلم ومحاربة التخلف والجهل وتشجيع تعليم البنات من خلال إنشاء مدرسة داخلية للبنات، بل وأنشأ مدرسة فنية للتمريض، ناهيك عن إنشاء مؤسسة اجتماعية لإيواء اليتامى وذوي الحالات الاجتماعية الصعبة وتعليمهم. كما كان يطمح الى أن يكون لبنان نموذجاً مميزاً للتعايش بين الأديان والمذاهب باعتباره يتشكل من كل هذا النسيج، لذلك كان يدعو باستمرار الى محاربة العنصرية وأهمية الانفتاح على الآخر. وكان موقفه من الحرب الأهلية في لبنان واضحاً فقد دعا إلى وقفها، وكانت رؤيته للتغيير رؤية عميقة، وكان مؤمناً بأن التغيير عمل وطني يقوم على قاعدة وطنية عريضة أساسها المحرومون من كل الطوائف من دون تمييز أو إقصاء لطائفة أو مذهب أو دين.

تأسيس المجلس الشيعي الأعلى ودور الصدر

كان الامام السيد موسى الصدر شخصية من الصعب أن تتكرر، منفتحاً على الجميع ورسخ قيم التعايش المشترك والوحدة الوطنية، فحاضر في الكنائس والجامعات وانفتح على سائر الأديان وقرب البعيد وتواصل مع القريب فكان نموذج العالم الذي كرّس مفهوم الدين يندمج مع الوطن والوطن يندمج مع الدين، إلى أن نجح في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وأعلن سماحته عن برنامج عمله الذي تضمن تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، والقيام بدور إسلامي كامل فكراً وعملاً وجهاداً، وعدم التفرقة بين المسلمين والسعي إلى التوحيد الكامل، مع تعاون الطوائف اللبنانية كافة لحفظ وحدة لبنان، وممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه، إضافة إلى محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.

ولدى تأسيسه المجلس كان للإمام دور إيجابي ونادر ومميز مع الدول العربية من خلال التواصل مع قادتها ومد الجسور وتفعيل آليات الحوار، فزار مصر والتقى الرئيس جمال عبد الناصر والملك خالد في المملكة العربية السعودية، وعمل باجتهاد وكان همه التقريب بين المذاهب الإسلامية، لذلك تواصل بصورة مباشرة مع شيخ الأزهر ومشايخه وعلماء السعودية لترسيخ الوحدة الإسلامية وتعزيزها.

إن السيد موسى الصدر يشهد له تاريخ لبنان والمنطقة على أنه رجل الحكمة والتسامح والانفتاح، فقد وقف جنباً إلى جنب مع مفتي الجمهورية اللبنانية للتأكيد على الاحترام والتكامل، كما ستظل خطواته ومبادرته مع الكنسية المسيحية وعلاقاته مع البطاركة والمطارنة ودخوله الكنائس متميزة، من دون أن ننسى دوره الوطني مع أطياف المجتمع اللبناني كافة والتأكيد أن لبنان وطن لكل أبنائه فهو القائل بأن لبنان لا يقوم إلا بجناحيه الإسلامي والمسيحي.

شارك المقال