بكركي تعبر عن موقفها الوطني الثابت… بعيدا عن الامتعاض من فرنسا

هيام طوق
هيام طوق

الكل يترقب مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في أيلول المقبل الى بيروت، وسط الكثير من الأسئلة حول ما سيحمله في جعبته من طروح خصوصاً بعد أن يطلع على أجوبة النواب عن أسئلته، إذ تلفت مصادر الى أن وفداً يمثل اللجنة الخماسية سيرافق لودريان في زيارته المقبلة، وأن الضغوط الخارجية ستتزايد وتتكثف خلال أيلول، وفي حال لم يتم التوصل الى صيغة أو مخرج معين يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن العديد من الدول الأوروبية وغيرها ستفرض عقوبات على المعرقلين في وقت يتحرك فيه القطريون انطلاقاً من علاقتهم الجيدة بكل القوى لتسهيل الطريق أمام الاستحقاق الرئاسي.

على أي حال، عنوان المرحلة الحالية، الجمود القاتل، لكن أيلول لناظره قريب، وسيظهر خيط الانفراج والحلحلة من خيط التعثر والتعقيد، لكن وسط كل المعطيات والقراءات والمعلومات التي تتناول الاستحقاق الرئاسي، تبرز مواقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي التي قرأ فيها البعض امتعاضاً من التعاطي الفرنسي مع الملف الرئاسي خصوصاً من الأسئلة التي وجهها لودريان الى النواب، وهذا ما بدا واضحاً في العظة التي ألقاها الأحد الماضي بعد ترؤسه القدّاس السّنوي لـ”كاريتاس” إقليم الجبة – بشري، وقال فيها: “لا أحد يفهم لماذا بُتِرَت جلسة حزيران الانتخابيّة بمخالفة المادّة 49 من الدستور، والحوار الحقيقي والفاعل هو التّصويت في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهوريّة”. هذا الموقف، تكرر وبوضوح أكثر في العظة التي ألقاها ليل أول من أمس خلال القداس الاحتفالي على مذبح كنيسة دير يسوع الملك في زوق مصبح، لمناسبة تدشين الكنيسة بعد ترميمها وإضاءة التمثال، حين قال: “تراهم يتستّرون وراء الحوار والتوافق، فيما الحلّ واحد ودستوري وهو الدخول الى قاعة المجلس النيابي واجراء الانتخابات الرئاسية بين المرشحين الذين باتوا معروفين، فتكون كلمة الفصل في التصويت وفقاً للمادة 49 من الدستور. وهكذا يضعون حدّاً للمهزلة التي شوّهت وجه لبنان الديموقراطي البرلماني الحضاري”.

وهنا لا بد من التساؤل: “ما هو موقف بكركي من التعاطي الفرنسي مع الاستحقاق الرئاسي؟ وما هو رأيها بالأسئلة الفرنسية التي وجهت الى النواب والذين أرسل بعضهم الأجوبة الى السفارة الفرنسية؟ وهل مواقف البطريرك الذي يدعو في عظاته الى تطبيق الدستور بحيث أن انتخاب الرئيس يكون تحت قبة البرلمان وليس بالتستر وراء الحوار تعني أنه ليس راضياً عن الحوار الذي طرحه لودريان في أيلول المقبل؟

رأى مصدر كنسي في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن “المبادرات الفرنسية تبدو الى اليوم وكأنها تدور حول القضية، ولا تصيبها بصورة مباشرة. بكركي ليست راضية عن تعاطي فرنسا مع الاستحقاق الرئاسي لأنه كان يجب أن تتعامل بجدية أكبر وأن تستغل الوقت ولا تساهم في اضاعته في ظل ما يعانيه البلد لأن كل يوم يمر، يتجه نحو الانهيار أكثر، والشعب نحو الفقر والجوع أكثر. وكلما طال عمر الأزمة، نكون نرتكب جريمة بحق اللبنانيين، لذلك يعتبر البطريرك أن الاستمرار في الأزمة جريمة بحق البلد وأهله”.

وقال: “الحوار حول ماذا؟ الحوار لن يؤدي الى أي نتيجة، وطاولات الحوار السابقة خير دليل. فليذهب النواب الى البرلمان، ويتحاوروا بين الجلسات الانتخابية التي تبقى مفتوحة الى حين انتخاب الرئيس كائناً من كان. الكنيسة ليست مع هذا الطرف أو ذاك انما مع تطبيق الدستور، وبعد انتخاب الرئيس هو يرأس الحوار فيما بعد”. ولفت الى أن “الأسئلة التي وجهها لودريان الى النواب تهدف الى تمرير الوقت خصوصاً أنه التقى كل الأطراف، ويعرف مواقف الجميع، وكأن الموفد الفرنسي دخل في المعمعة اللبنانية”، متسائلاً: “أين الضمير الوطني اليوم مما يجري؟ وأين الضمير الفرنسي؟ وأين الضمير العالمي؟”.

وأشار المصدر الى أن “بكركي ليست راضية عن طريقة التعاطي الفرنسي ولا عن التعاطي اللبناني. الرئيس الفرنسي زار لبنان بعد انفجار المرفأ، وجمع اللبنانيين حوله، لكن لم تأتِ النتائج على قدر التطلعات. الفرنسيون اليوم باتوا طرفاً ولا يلعبون دور الوسيط المحايد. على الرغم من ذلك، فرنسا كانت ولا تزال الأم الحنون لكنها اليوم لا تلعب دورها التاريخي بالنسبة الى لبنان خصوصاً أن هناك انحلالاً غير مسبوق للدولة والمؤسسات”.

وأوضح مصدر معني أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عيّر فريق العمل المهتم بالشأن اللبناني، بعد زيارة البطريرك الراعي الى باريس. الفاتيكان وجّه رسالة واضحة الى الفرنسيين بأن طريقة ادارتهم للملف اللبناني تنقض على الهوية اللبنانية، ويقول للمجتمع الدولي ان هناك اتفاق الطائف والقرارات الدولية والاصلاحات البنيوية، ويسأل اليوم عن معنى الحوار وجدواه”، معتبراً أنه “لا يمكن الحديث عن امتعاض كنسي انما هو موقف ثابت وطني تقوده الكنيسة المارونية. هناك فرق بين الامتعاض والموقف الدستوري الثابت. موقف الكنيسة اليوم موقف دستوري ثابت. موقف الكنيسة المارونية يتلاقى مع بيانات اللجنة الخماسية، ومع الموقف الفاتيكاني ومع بيان مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان الذي صدر منذ أسابيع، ومع موقف القوى السيادية الاصلاحية التغييرية في لبنان والاغتراب اللبناني”.

وأكد المصدر أن “هذا الخط يعيد الكنيسة الى موقعها التاريخي بقيادة مسار تحرير لبنان من الهيمنة، والقول بصوت عال ان تفريغ المؤسسات الدستورية ومنها رئاسة الجمهورية، تفريغ منهجي، ولا يمكن استبدال المؤسسات الدستورية بحوار بناء على قاعدة الاقناع بمواقف من يعتبرون أنفسهم يملكون فائض قوة. الكنيسة اليوم ليست في موقع الامتعاض انما في موقع قيادة المعركة الوطنية والموقف الثابت الذي عبّر عنه أيضاً مجلس المطارنة الموارنة بعد مجمعهم الذي عقد في حزيران الماضي”.

وشدد على أن “ليس هناك من اشتباك فرنسي كنسي انما اشتباك فرنسي – لبناني، والكنيسة اللبنانية تعبّر عن وجدان لبناني سيادي حقيقي. فرنسا تلعب في الوقت الضائع، لكن هذا الوقت قاتل اذ ان عليها الذهاب في اتجاه الموقف الحاسم، وتحدد من ينقض على البلد ويفرغ المؤسسات الدستورية”.

انطلاقاً من هذا الواقع، هل يمكن أن يغيّر لودريان في مبادرته أو طروحه في زيارته المقبلة؟ سؤال أجاب عنه المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ الذي أسف لأن “الديبلوماسية الفرنسية فشلت في مقاربة طموح الشعب اللبناني وحقوقه، وفشلت في الاضاءة وتبنّي المعركة على سيادة لبنان وهويته، وفشلت في استعادة المقاربة التاريخية الى العلاقة بين لبنان وفرنسا على قاعدة أن لبنان بلد الحريات وحقوق الانسان والتعددية والعيش معاً، وتلهّت الديبلوماسية الفرنسية بالمصالح الاقتصادية المالية بناء على التطبيع مع قوى أمر واقع لا يمكن لتاريخ فرنسا أن يقبل بها خصوصاً اذا قامت على الظلم والقمع وفرض إيديولوجيا غريبة عن البلد”. وقال: “بهذا المعنى، أعتقد أنه منذ الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي الى لبنان، تم اعلان افلاس الديبلوماسية الفرنسية وعدم قدرتها على أي إدارة موضوعية للأزمة اللبنانية، وانحيازها الى طرف على حساب طرف، وهذا يفقدها صفة الوسيط النزيه. وهذا محزن لأن ما تقوم به الادارة الفرنسية لا يمثل الرأي العام الفرنسي ولا الادارة الفرنسية في الدولة العميقة ولا القوى المجتمعية الحية في فرنسا، ولا الاغتراب اللبناني في فرنسا”.

شارك المقال