هوى بالأمس نسران من نسور الجو اللبناني في حادثة أليمة، عندما سقطت مروحية تابعة للجيش اللبناني فوق بلدة حمانا، خلال قيام طاقمها بعملية تدريبية، لينضما إلى قافلة الشهداء الذين إرتوت أرض الوطن بدمائهم الزكية. إنه قدر الجيش أن يستمر في تقديم الشهداء على مذبح الوطن حماية للاستقرار والسلم الاهلي ووفاء للقسم الذي يردده العسكريون ويلتزمونه حتى الشهادة. وهذه الفاجعة الأليمة، تدفعنا الى فتح ملف سلاح الجو اللبناني، الذي كان في أوائل الستينيات أقوى من الاسرائيلي، ولكنه لم يواكب الأوضاع الاقليمية والاستراتيجية، فيما كانت إسرائيل تنمّي أوضاعها بغياب ملحوظ لتنمية القوات العربية الجوية عموماً واللبنانية خصوصاً خلال ستينيات القرن الماضي.
التأسيس:
تأسست القوات الجوية اللبنانية التابعة لسلاح جو الجيش اللبناني في 1 حزيران 1949. وتشكلت في ظل قيادة الراحل إميل بستاني، الذي كان قائد سلاح الجو الأول، بحيث اتفق سنة 1967 خلال انخراط لبنان في القيادة العربية الموحدة على انشاء شبكة مشروع دفاع جوي يقوم باستقدام طائرات “ميراج” وصواريخ “كروتال”، لكن المشروع ما لبث أن أجهض نتيجة نكسة حرب 1967. في ذلك الحين، تبرعت بريطانيا بأربع طائرات “برينتيسيز بيرسيفال”، وإيطاليا بطائرات “سافويا ماركيتي” SM.79L وSM79 التي استخدمت في وسائل النقل. وشهدت السنوات اللاحقة إضافة طائرات DH104 دوف ذات المحركين، ست عشرة من طائرات هارفارد NAA، وست طائرات هارفارد T2B AT 16-. بعد العام 1960، أدخلت القوات الجوية اللبنانية الطائرة Fouga CM170، وست عشرة طائرة داسو ميراج IIIEL / BL وتدريب طياري لبنان وموظفيها، وتم الحصول أيضاً على “هوكر” لتحل محل الطائرات القديمة القتالية. ثم أدخلت الخدمة العديد من الطائرات على مدار فترات زمنية، ففي العام 1973، أدخلت 12 طائرة أغستا-AB212 بيل، وفي الثمنينيات أدخلت بوما SA330 ومروحيات غازيل SA342L . في العام 1995، وصلت ست عشرة من مروحيات الجيش الأميركي UH-1H بيل والتي تستخدم أساساً لنقل القوات وكبار الشخصيات والبحث والانقاذ والبعثات (SAR). اما في العام 2007 فأدخل عدد من مروحيات غازيل والتي تبرعت بها دولة الإمارات العربية المتحدة. وبعد ذلك بعام وافقت روسيا على تزويد عسكري من طراز Mi-24 ‘Hind وطائرات هليكوبتر هجومية ثقيلة وتدريب الأطقم الجوية الخاصة بهم. في العام 2009، تم تسليم أول طائرة من طراز سيسنا كارافان 208B مراقبة الطائرات وقادرة على حمل النار من الجو إلى صواريخ جو أرض. ورفدت القوات الجوية منذ نشأتها بأنواع عديدة من الطائرات والطوافات.
واعتبر تاريخ 20 حزيران من كل عام عيداً للقوات الجوية، وذلك بعد أن شاركت هذه القوات في احتفال في حضور رئيس الجمهورية في العام 1955 وقامت بعروض مميزة.
محطات تاريخية:
في 21 ايلول 1949 أقيم أول عرض عسكري جوي. في العام 1953 تكونت نواة القاعدة الجوية في مطار بيروت اثر وصول طائرات الغامبير النفاثة البريطانية الصنع. في 1/ 1/ 1954 أصبحت القوات الجوية من أركان قيادة الجيش. في العام 1952 تخرجت أول دفعة من الطيارين والفنيين والمجازين، وكان أول طيار الملازم علي عبود وأول طيار نفاث الملازم يوسف لطيف. في 11/ 5/ 1957 وتحت رعاية قائد الجيش افتتح نادي الطيران الشراعي في قاعدة رياق الجوية لتدريب المدنيين على الطيران. في العام 1960 أنشئت رسمياً المدرسة الفنية الجوية. في العام 1965 تسلمت القوات الجوية طائرات التدريب الحديثة “فوغا ماجيستير”، وفي العام 1967 طائرات الميراج وأنشئت فيها قاعدة القليعات الجوية. ومنذ العام 1967 ولغاية اليوم لا تزال القوات الجوية تنفذ مهمات منها: قتالية وعمليات انقاذ وبحث ومساعدة بعض مؤسسات الدولة على تنفيذ أعمالها (وزارة الزراعة ووزارة الاتصال ووزارة التربية).
الهيكلية العسكرية:
تعتبر الأجواء اللبنانية منطقة جوية واحدة تتبع لقائد القوات الجوية وتسيطر عليها قيادة القوات الجوية والقواعد الجوية (رياق، بيروت، حامات والقليعات). وإضافة إلى القواعد الجوية، تتبع للقوات الجوية وحدات أخرى، منها: مدرسة القوات الجوية وهي القطعة المسؤولة عن تدريب الطيارين والملاحين والمراقبين والفنيين وإعدادهم، مصلحة عتاد الجو وهي القطعة اللوجيستية التي تهتم بتحضير موازنة القوات الجوية السنوية وبإعداد طلبات لقطع الغيار المطلوبة والعدة اللازمة لذلك، كتيبة الرادار وهي القطعة المسؤولة عن تشغيل الرادارات والاتصالات في القوات الجوية. وقد ألحق في الفترة الأخيرة بالقوات الجوية كتيبة الحراسة والمدافعة عن مطار رفيق الحريري الدولي لكنها عملانياً تتبع لجهاز أمن المطار.
الانجازات:
في العام 2000، شاركت القوات الجوية في ما عرف بـ “معركة جرود الضنية”، حيث نفّذت إنزالات لعناصر الفوج المجوقل ومغاوير البحر قرب مراكز المسلّحين، ما ساعد على تطويقهم والقضاء عليهم. كما كانت لها مهمات متعددة في ذلك التاريخ. أما أهم المعارك التي شاركت فيها القوات الجوية حديثاً، فكانت معركة نهر البارد 2007، وكان لها الدور الحاسم في إنهاء هذه المعركة عبر تدمير مراكز الإرهابيين وابتكار طرق جديدة للقصف بواسطة المروحيات بصورة دقيقة، الأمر الذي أشادت به القوات العربية والأجنبية الصديقة. ومنذ ذلك التاريخ تعمل القوات الجوية بصورة متواصلة على تطوير قدراتها وإمكاناتها، وزيادتها، حتى باستعمال الأسلحة القديمة العائدة للطائرات النفاثة، على الطوافات. أما خلال الأحداث عند الحدود الشرقية والشمالية، فنفّذت القوات الجوية، ولا تزال، عمليات استطلاع ومراقبة جوية،
بالاضافة الى استهداف مواقع المسلحين وتحركاتهم بالأسلحة المناسبة.
الوضع الراهن للسلاح الجوي:
تعتبر القوات الجوية حالياً في مرحلة اعادة البناء نتيجة الأحداث التي دمرت عدداً كبيراً من الطائرات والطوافات وغيرها. ومهمة القوات الجوية تقتصر الآن على صيانة وترميم الطائرات المتضررة خلال الأحداث والسعي الى تجهيز ما يمكن تجهيزه منها وبالتالي السعي لدى الحكومة الى شراء طائرات وطوافات تلبّي حاجات الظرف الراهن في الوطن. وبالتالي فهي لا تطمح الى الحصول على طائرات وطوافات من النوع المتطور جداً الذي يكلف أثماناً باهظة، وانما تسعى الى الحصول على عتاد من شأنه مساندة القوى البرية والبحرية في عمليات حفظ الأمن ومنع التهريب والتسلل عبر الحدود، ما يعني أن مسعاها يندرج في مواكبة مسيرة اعادة بناء الدولة اللبنانية في قواها الشرعية والذاتية.
حسب آخر الاحصاءات، فان الطائرات الصالحة لتنفيذ المهمات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، والعدد المتبقي منها ينتظر قيامة الدولة وقطع الغيار المطلوبة لاعادة صيانتها. وأشار تقرير نشرته “ديفنس نيوز” إلى أن لبنان يفتقر إلى الركائز الأساسية الثلاث لتأمين مجاله الجوي بصورة فاعلة: شبكة رادار، وأنظمة دفاع صاروخي، وطائرات مقاتلة، وهي تطلعات مستقبلية، لكن الأزمة الاقتصادية كانت ولا تزال عائقاً للتنفيذ.
ويستبعد المطلعون أن يكون لهذا السلاح قدرة في المدى المنظور على مواكبة التطور العالمي والدولي وملاحقته وجعله على الأقل في مستوى قدرات الدول المجاورة، ما يعني أن دوره الحالي يترتب على تنفيذ المهام الثانوية بدل المهام الرئيسة وهي التصدي للعدو في دخوله أراضي الوطن.