إعتاد لبنان التأقلم مع حقبات الفراغ السياسي التي تترافق مع فوضى أمنية، تتخبط فيها معظم المؤسسات التي يجب أن تبنى عليها استمرارية الدولة واستقرار الحكم. السبب الرئيس الذي فرض الدخول في هذه الفوضى كان عدم انتخاب رئيس للجمهورية والفراغ في أعلى موقع في هرمية الحكم بصورة دائمة في جميع محطات الفراغ، الأمر الذي انعكس على بقية المواقع من مجلس النواب إلى مجلس الوزراء وصولاً إلى القوى الأمنية بحيث طال الفراغ مواقع كثيرة نتيجة تقاعد عدد من القيادات والعجز عن تعيين بديل عنها.
وقبل أيام، حذر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان من إنعكاس السياسة على الأمن والاستقرار في البلد. وجاء هذا التحذير في ظل التشنج السياسي وتصاعده بعدما شهد لبنان تسارعاً في وتيرة الأحداث الأمنية من منطقة الى أخرى بدءاً من القرنة السوداء مروراً باشتباكات مخيم عين الحلوة وصولاً الى عين ابل حيث قتل الياس الحصروني وآخرها في الكحالة حيث سقطت شاحنة “حزب الله” على كوعها ووضعت البلد “على كف عفريت” الحرب الأهلية في ظل أمر الفراغ الواقع.
هذه الحوادث فتحت الأبواب مجدداً على موضوع هيبة الدولة وسلطتها في ظل السلاح المتفلت، الذي جعل الحوادث “تسرح وتمرح” من دون حسيب أو رقيب إلى حد رفض غالبية اللبنانيين هذا الفلتان بإعتبار أنّ الدولة اذا كانت عاجزة عن الدفاع عن شعبها فشعبها حاضر، أو كالعبارة التي باتت “ترند” بالتزامن مع هذه الحوادث “بكل بيت في سلاح”، فإما أن نكون جميعاً تحت سقف الدولة والقانون وإما الفوضى.
ومع هذا الأفق المسدود وإنتظار ما سينتج عن أجوبة القوى السياسية على رسالة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في ظل توحد القوى المعارضة ضدها وتمسك الممانعة بمرشحها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورسمها الحوارعلى قياس ترشيحه، بات اللبنانييون أسرى التعطيل في ظل سياسة الاصطفاف والابتعاد عن الحوار والتلاقي، فهل من الممكن أن ينعكس فشل الحوار المفترض على الواقع الأمني؟
عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب نزيه متّى اعتبر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “من السهل أن تتعرض أي دولة، إلى خضات أمنية فيما لو كانت رازحة تحت أزمة معينة، فكيف بالحري إذا كانت كلبنان، الذي يترنح تحت وطأة أزمتين كبيرتين سياسيّة وإقتصاديّة؟ ففي حال فشلت إحداها من دون معالجتها بأسرع وقت ممكن حكماً ستؤدي إلى أحداث أمنيّة معيّنة، أضف إلى ذلك، هناك فريق آخر أي حزب الله أقحم لبنان في صراعات إقليمية لا تنتهي، والأخطر، عوّدنا ومنذ 15 سنة حتى الآن على أسلوب التعاطي نفسه وعلى كيفية الوصول إلى أهدافه ومآربه، فهو يلجأ دائماً إلى الضغط والتهديد والوعيد، والأخطر التهديد بالحسم العسكري كاجتياح بيروت في 7 أيّار والتهديد بالمئة ألف مقاتل وغيرها من الأحداث الأمنية المتفرقة”، مشبّهاً هذا الأسلوب بـ “الضغوط التي كانت تمارس قبل العام 2005 أثناء وجود الوصاية السورية في لبنان من خلال المعادلة الذي أرساها النظام السوري؛ الاقتصاد مقابل الأمن، وباغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من إغتيالات لشخصيات سيادية ووطنية”.
ورأى متّى أن “محور الممانعة بالإضافة إلى تخييره القوى السياسية بين الخضوع أو إهتزاز الأمن، ربط الوضع السياسي في لبنان بالمشكلات والأزمات والصراعات الاقليميّة الموجودة في المنطقة، ففي حال حصول أي إهتزاز سياسي على الصعيد الاقليمي من السهل أن تترجمه القوة الفاعلة في لبنان على الحدود مع إسرائيل أو إلى خضات أمنية متفرقة تفرض أعرافاً وتكّرس أمراً واقعاً”.
وشدد على أن “فائض القوّة موجود عند الفريق الذي يعتبر أن له الحق في أن يفعل ما يشاء وأن يحمل السلاح وينفذ ما يريد، وأن يعتبر أي مطلب سيادي مساساً بسلاحه ومقاومته ومشروعه، وله الحق في مواجهته بكل السبل المتاحة”، مشيراً إلى أن “هذه التراكمات حكماً كفيلة بتوتير الوضع الأمني وهذا ما شهدناه في خلدة وشوّيا والطيونة، وآخرها حادثة الكحالة من خلال الطريقة التي حدثت وفوقية التعاطي التي إنتهجها حزب الله في الملف ومع أهالي الكحالة عبر إطلاق الرصاص في الهواء وبالمباشر والطوق الأمني الذي فرضه حول الشاحنة وردود الأفعال من خلال بياناته ورمي التهم”.
وأكد متى أن “فوقية التعاطي التي يمارسها فريق الممانعة وخصوصاً حزب الله من خلال التهديد والوعيد هي أمر في غاية الخطورة”، لافتاً الى “أسلوب اللعب على عامل الوقت باستغلال حرص الفريق السيادي على الحفاظ على ما تبقى من دولة واستغلال وجع اللبنانيين وحاجاتهم، بالإضافة إلى عنصر الضغط من خلال الخضات الأمنية واستخدامه شماعة التخويف بالحرب الأهلية واتهامه الفريق الآخر بها في وقت أن الفريق الوحيد المسلح في البلد، هو حزب الله. ولو كان لدى البعض النيّة لإعادة بناء البلد، لتم تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية والإفادة من تلهي دول المنطقة بصراعاتها، ولكن من الواضح أن لهم مشاريعهم ودولتهم”.
وعن إحتمالية حصول فوضى أمنية معيّنة، قال متّى: “هناك جيش لبناني وقوى أمنية عليها القيام بواجباتها وبكل ما يلزم، ونحذر من الفراغ المتعمد في مؤسسات الدولة بدءاً من الفراغ الرئاسي مروراً بالقضاء وحكومة تصريف الأعمال واعتياد مبدأ تشريع الضرورة بالإضافة إلى الفراغ في منصب حاكمية مصرف لبنان، ناهيك عن الفراغ المنتظر في الأيام المقبلة في قيادة الجيش والخلاف على من يتولاها في غياب قائد الأركان وهذا الأمر في غاية الخطورة، ويعني أن هناك تدميراً ممنهجاً لمؤسسات الدولة أي أن هناك خطراً على لبنان الكيان والهوية”.
واعرب عن اعتقاده أن “الحل بالصمود ضمن إطار مؤسسات الدولة وبالدرجة الأولى ضمن المجلس النيابي من خلال السعي الدائم إلى توحيد أولويات المعارضة وأهدافها وفي مقدمها انتخاب رئيس من خارج هيمنة خط الممانعة ومن ثم رئيس حكومة ووزراء يستطيعون بالحياد وبخطة شاملة متكاملة إنقاذ لبنان”.
أما النائب غسان سكاف فأشار لـ “لبنان الكبير” الى أن “الوضع السياسي المأزوم نتيجة الانقسامات بين الأطراف السياسية يترجم بالتزامن مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري ما يمكن أن يؤدي إلى التفلت الأمني في منطقة معيّنة إما عن قصد أو غير قصد وهذا تخوف موجود وواقعي”.
وعن الحوار، قال سكاف: “اننا نسعى الى التواصل مع جميع الفرقاء في البلد، وكسر الحواجز بين كل القوى السياسية ضروري من أجل تفادي إنعكاس الخلاف السياسي على الإستقرار الأمني”. وشدد على “ضرورة الحوار بين الفرقاء لضبط الوضع منعاً لأي إنزلاق نحو وضع أمني غير مستقر”.
وأكد أن “إنتخاب رئيس للجمهورية هو بداية لحل الأزمة الرّاهنة ولإزالة الانسداد في الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي في البلد”، منبّهاً على أن “إنهيار البلد أو تحلّله أدى إلى تفكك المؤسسات، ومع تفككها لن يكون هناك أي ضابط إيقاع للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي من الممكن أن تؤدي إلى أحداث أمنيّة لا تحمد عقباها”.