في خضم الأزمات التي يتخبط بها لبنان على أكثر من صعيد، أضيفت إلى سجل أزماته المتراكمة، أزمة جديدة بدخوله في مواجهة ديبلوماسية بالغة الصعوبة مع الدول الأساسية في الأمم المتحدة، لا سيما تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن. فقد أعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب رفض لبنان الصيغة المتداولة لمسودة مشروع قرار التجديد لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”، والتي لا تشير إلى ضرورة وأهمية التنسيق في عملياتها مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني، كما تنص إتفاقية عمل “اليونيفيل” المعروفة بالـ SOFA. كذلك شدد على رفض لبنان أن يعطي الشرعية لنقل ولاية “اليونيفيل” من الفصل السادس، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر عام 2006 والداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية، إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة.
ومن المعلوم أن القوات الدولية، عملت بعيد صدور القرار العام الماضي على التخفيف من وقعه، معلنةً أنها ستبقى تتعاون مع الجيش اللبناني كما في السابق ولن تجري أية تعديلات على مهامها. وأتى ذلك نتيجة نصائح من مغبة تطبيق مضمون القرار والبدء بممارسته ما قد يشكل ضرراً عليها جنوباً.
يذكر أن لبنان كان يأمل في إنجاز تعديلات على المشروع، من شأنها إعادة صلاحيات “اليونيفيل” إلى صيغتها الأساسية المقرّة عام 2006، وذلك إنطلاقاً من زاوية المطالبة بإزالة الفقرة التي تضمنها قرار التجديد لها العام الماضي حول توسيع حركتها في الجنوب. والفقرة المطلوب ازالتها، هي محط اعتراض واسع من جانب “حزب الله” منذ أدخلت الى متن قرار التجديد لـ “اليونيفيل” لمدة سنة معدلاً في آب الماضي لناحية توسيع حرية حركتها، استناداً الى مسودة اقتراح قدمتها الولايات المتحدة، بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، قضت بمنح القوات الدولية حرية القيام بعمليات تفتيش ودوريات ضمن منطقة عملها من دون حاجة إلى إذن مسبق من الجيش اللبناني أو مؤازرته.
وكان القرار الأممي محل إعتراض دائم من جانب لبنان وتحديداً “حزب الله” الذي كان يستعين عادة بموسكو وبكين لمنع تمريره، لكن التمديد الأخير مع التعديل مرَّ من دون اعتراض روسيا والصين، الأمر الذي تطلب وقتها إطلالة للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، متحدثاً عن اعتداء وتجاوز على السيادة اللبنانية في قرار مجلس الأمن. واعتبر أن “هذا فخّ ينصبه الاسرائيليون منذ سنوات طويلة للبنان،” واصفاً القرار بأنه “مشبوه” ويفتح الباب أمام مخاطر كبيرة في منطقة جنوب الليطاني.
ولا بد من التذكير في هذا الاطار، بأنه وبعد أربعة أشهر على القرار المعدّل، قتل الجندي الايرلندي شون روني في عربة مدرعة تابعة للأمم المتحدة، اثر تعرضها لاطلاق نار في منطقة العاقبية أثناء توجهها إلى بيروت، وتم توقيف شخص أفيد آنذاك أنه من “حزب الله”، ليصدر في وقت لاحق عن قاضي التحقيق العسكري الأول بالانابة فادي صوان، قرار يتهم 5 مواطنين أحدهم موقوف لدى السلطات، بالقتل عمداً (!) بحق الجندي الايرلندي وهم الموقوف محمد عياد و4 متوارون عن الأنظار، فيما أفيد أن كاميرات المراقبة أظهرت محاصرة الدورية ومهاجمتها من مسلحين، وسماع بعضهم يقول: “نحن من حزب الله”، علماً أن الحزب استنكر زج إسمه في الحادثة التي لا علاقة له بها.
بالعودة إلى أجواء الأمم المتحدة، وعلى الرغم من المعركة الديبلوماسية التي يخوضها لبنان “بظهر مكشوف”، فإن المعلومات المتوافرة تشير الى أن دول القرار في مجلس الأمن، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، مصرّة على إطلاق يد قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان، لتعزيز حضورها ودورها في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني، لجهة مراقبة دور “حزب الله” وانتشار مواقعه العسكرية ومقاتليه، بما ينسجم مع مضمون القرار 1701 الذي يمنع أي وجود مسلّح في هذه المنطقة لغير الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية. وتؤكد المعلومات الديبلوماسية الواردة من نيويورك أن دول القرار متمسّكة بإعطاء صلاحيات واسعة للقوات الدولية للقيام بدوريات وعمليات مداهمة من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وأقلّه تثبيت القرار الذي صدر عند التجديد لها قبل سنة، وقد يكون خطوة أولى على طريق محاولة المجلس استعادة المبادرة وتطبيق القرار 1701 كما يجب أن يطبق.
وتضيف المعلومات أن المجتمع الدولي يشعر بأن القرار الأممي لا يطبق، وأن تجاوزات البعض في الجنوب قد تؤدي إلى إشعال الجبهة الجنوبية على خلفية محاولة تكريس وضع سياسي وأمني ما، والافادة مما يمكن أن ينتج عن تجاوز هذا القرار. في المقابل، يعتبر الوزير بو حبيب أن هدف الطلب اللبناني تأمين الحماية لدوريات “اليونيفيل” تجنباً لاشكالات محتملة، ذلك أن الجيش اللبناني يمكنه التعامل مع مختلف البيئات الموجودة في المنطقة بما يجعل المهمة أسهل وأفعل.
في موازاة ذلك، تتخوف مصادر مقربة من “حزب الله” من أن يكون هذا التوجه الى التعديل يأتي في إطار محاولة لإعطاء دور أقوى لهذه القوات، وسط رغبة في نشرها على الحدود اللبنانية – السورية، وأن تكون لها قدرة على الدخول الى المخيمات الفلسطينية، ومناطق وجود “حزب الله”.
من الواضح أن هناك محاولات وشد حبال وتجاذب بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة، قد تصل إلى مواجهة غير متكافئة، الأمر الذي ستكون له تداعيات على الساحة اللبنانية، وربما يقود إلى مواجهة وتصادم بين الأهالي وقوات “اليونيفيل”، وقد يؤسس لمرحلة جديدة بعد بدء عملية التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9 على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
هل يمرر المشروع المعدل أم ينجح لبنان في إقناع مجلس الأمن بالأخذ بوجهة نظره، أو تلجأ روسيا والصين إلى حق “الفيتو”؟ الاتصالات الديبلوماسية التي سيشهدها الأسبوع الجاري ستبلور القرار النهائي، من دون إستبعاد التوصل الى صيغة متوازنة تحجب الفصل السابع، وتبقي حراك “اليونيفيل” متحرراً من القيود.