“نزيف” التسلّل عبر الحدود الشمالية… أرض مستباحة وتجارة مربحة

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تتوقّف عمليّات التهريب يوماً بيْن لبنان وسوريا، فهذه الدّولة الشقيقة والملازمة للبلاد بحدودها الشمالية والشرقية تاريخياً، وعلى الرّغم من الخلافات الديبلوماسية كما السياسية معها، يبقى التهريب منها وإليها هو العملة “الصعبة” الوحيدة التي تربط البلديْن بصورة موثوقة، سواءً أكان الحديث عن تهريب البضائع الذي درج كثيراً في الأعوام الأخيرة، أو تهريب “البشر” الذي استفحل بوضوح مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.

ولم يكن إعلان الجيش اللبناني، في بيانه منذ ساعات عن إحباطه محاولة تسلّل أكثر من 1000 سوريّ عبر الحدود، ومحاولة أخرى في شهر آب الفائت بلغ عدد أفرادها 1550 سورياً، بأمر جديد أو بحدث غير متوقّع، كما لم يكن تصريح وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدّين عن أنّ “النازحين الجُدد يدخلون من خلال المعابر غير الشرعية عبر نقاط العريضة وادي خالد وسواها” أمراً مستغرباً، إذْ يشير مصدر متابع لهذا الملف شمالاً الى أنّ “هذه المحاولات التي تحصل يومياً ارتفعت نسبتها في الفترة الأخيرة بصورة ملحوظة، بسبب سوء الوضع المالي والاقتصادي للسوريين في بلادهم، خصوصاً مع ارتفاع سعر صرف الدّولار في تلك البقعة الجغرافية التي واجهت حرباً شنيعة انقلبت على رأس شعب بكامله”. ويقول لـ”لبنان الكبير”: “إنّ بيان الجيش عبر منصّة إكس بالتعاون مع الاعلام الذي نقل تقارير ومقالات حول هذا الملف، لم يُغيّر من الحدث شيئاً إذْ لم تتوّقف يوماً هذه التجارة التي تتولّاها مجموعة من المهرّبين اللبنانيين والسوريين الذين باتوا يتحكّمون برأس كلّ من يحتاج الى دخول لبنان أو الخروج منه”.

يُمكن القول إنّ “من سابع المستحيلات” الحدّ من عمليات التهريب التي تعلم بـ “خفاياها” الدّولة بأجهزتها الأمنية كافّة، وهذا ما يُؤكّده المصدر “فالدّولة تعرف كلّ من يدخل الى البلاد ويخرج منها بالاسم، كما تعرف المهرّبين، لكن الحدود المفتوحة والسائبة تسمح للآلاف بالدخول يومياً بطريقة غير شرعية، لأنّهم عاجزون عن الدخول بشروط الأمن العام القاسية والتي لا يُمكن تنفيذها على الفقراء والعمّال الذين باتوا يلجؤون إلى الدخول خلسة سيراً على الأقدام وتحدّياً للمخاطر والخوف لسببين رئيسين: إمّا للعمل في لبنان، أو انتظاراً لمركب غير شرعي ينقلهم إلى البلاد الأوروبية، وهنا يُمكن التأكيد أنّ سلطة المال أيّ سلطة المهرّبين في هذا الملف تتفوّق على سلطة السياسيين”.

ويلفت مسؤول في وادي خالد إلى أنّ “الجيش اللبناني يقوم بدوره قدر المستطاع، ويُمسك بالمئات بل بالآلاف منهم يومياً، ثمّ يُعيدهم إلى الحدود أيّ من المعبر الذي دخلوا منه ولا يقوم بتسليمهم إلى النظام السوري كما بات معروفاً، كما لا يتمكّن من الإبقاء عليهم في الحجز أو الحبس لسببين: الأوّل يكمن في أنّ هذه الخطوة كانت لاقت معارضة واسعة حقوقياً وإنسانياً، والثاني يعود الى عدم وجود حبس يتمكّن من تحمل هذا الكمّ الهائل من المهاجرين يومياً”.

وإذْ يعتبر أنّ خطوة إعادة السوريين إلى الحدود مثل “الضحك على الذقون”، إذْ يُخرجهم الجيش من هنا، فيدخلون خلسة ومباشرة من هناك، يُشدّد على أنّ الأزمة الحقيقة ترتبط بالحدود المفتوحة من العريضة إلى جبل الشيخ بلا أسلاك شائكة، “فلا يُمكننا احتساب الأرقام الحقيقية لهم، لكن وفقاً لرصدي الأخير فقد رأيت حاجز الجيش منذ أيّام وهو يُمسك ويوقف أكثر من ألف سوريّ على الحدود”.

وعن قدرات الجيش في هذه الظروف، يؤكد المسؤول أنّ الجيش يملك مراصد من بريطانيا على رأس الجبال أو التلال، إضافة إلى إقامته دوريات مستمرّة، لكن لا رقابة على هذه الحدود السائبة، فلا عسكري عند النهر، إلّا عند حاجز شدرا وفي كلّ طريق فرعي منه هناك عساكر تنتظر وتراقب، لكنّ الناس تهرب من الجبال المفتوحة عبر السير على الأقدام لا بشاحنة كما ينبغي، حتّى أنّهم يمشون من 10 إلى 15 كيلومتراً لهذه الغاية، ولن يتمكّن الجيش أساساً من تحمّل هذه الهجمة، “فإذا رصد حركة ما عبر المرصد، لن يتمكّن من الوصول إليها ومتابعتها لأنها تكون قد هربت سريعاً أو بعيداً”.

ويتحدّث المسؤول عن حيلة يعتمدها مهرّبون وقائمة على انتقال شاحنة محمّلة بحجارة وفي داخلها قفص حديديّ عبر الحدود، “وهذا ما حدث منذ 20 يوماً تقريباً مع حوالي 66 سورياً وجدوا في القفص الحديدي، وهي حوادث لا تقتصر على الحدود الشمالية فحسب، بل من معابر أخرى مغايرة لمعابر وادي خالد وأبرزها: معبر خالد عبيدان، معبر شهيرة، معبر الواويات، معبر حنيدر ومعبر الهيشة…”.

أمّا عن التسعيرات، فيوضح أنّها “تختلف حسب طريقة النقل والتهريب وحسب درجة المتنقّل ومنصبه، إذْ تختلف تسعيرة العامل عن تسعيرة رجل الأعمال الذي قد يلجأ إلى هذه المعابر لأسباب معظمها أمنية”، مشيراً إلى وجود “هجرة من لبنان إلى سوريا تتضمّن لبنانيين وفلسطينيين يتوجّهون إلى تركيا”.

ويعلّق المسؤول على تصريحات السياسيين الذين يُشجّعون على إعادة اللاجئين، وتبريرها بارتفاع نسب الجرائم وفق معطيّات أمنية، بالقول: “الأزمة لا علاقة لها باللاجئين، فالمشكلة داخلية وترتبط أساساً بالسلاح غير الشرعي، ويجب أن تكون تصريحاتهم منصفة لا للسوريين فحسب، بل للجيش الذي يعمل باللحم الحيّ ليحميهم من تجارة البشر، والمال والبضائع منذ أعوام في حدود وجبال يصعب ضبطها”.

شارك المقال