قانون الأحزاب… الحرية أهم من الرقابة

محمد شمس الدين

الحزب السياسي في تعريفه هو منظمة تنسق بين المرشحين للمنافسة في انتخابات بلد معين. يتبنى أعضاء الحزب غالباً أفكاراً متشابهة حول السياسة، ويمكن للأحزاب أن تروّج لأهداف أيديولوجية أو سياسية محددة.

وفي الدول عادة قوانين وتشريعات تنظم عمل الأحزاب، وقد تطورت هذه القوانين على مدى العصور، ولكن في لبنان لا يزال قانون الجمعيات الذي أقرته الدولة العثمانية عام 1909 هو المعتمد كقانون للأحزاب، ويجمع بين الجمعيات والأحزاب.

من يقرأ نص القانون الأساس قد يجده مسلياً لناحية بعض بنوده، فمثلاً المادة الثالثة منه تتحدث عن عدم جواز تأليف جمعية تفرّق بين العناصر العثمانية المختلفة، والمادة الرابعة تحظر تأليف جمعية عنوانها القومية والجنسية. أما المادة الخامسة فتفرض أن يكون عضو الجمعية أكبر من 20 سنة، عدا عن الغرامات في حال مخالفة قانون الجمعيات التي تصل إحداها إلى 50 ذهبية.

والأحزاب المسجلة في الدولة اللبنانية قد تصل إلى ألف حزب، منذ العام 1909 إلى اليوم، بعضها لا يزال موجوداً مثل حزب “الكتائب”، وحتى حزب “النجادة” الذي له أمينه العام وأعضاؤه ولكن عديده لا يمكنه التأثير في الحياة السياسية اللبنانية، في حين لا يزال آخرون موجودين على الورق ولا تسمع لهم حساً، وبعضهم ذو أسماء غريبة جداً، مثل: منظمة “ثوار الهيكل”، منظمة “الثأر المقدس”، منظمة “الصقر المقدس”، منظمة “العدالة والانتقام” ومنظمة “العقاب اللبناني” (مجموعة أبو ليلى)، فيما لم نعرف من هو أبو ليلى وهل هناك منظمة “العقاب اللبناني” لشخص آخر أم أن هذا هو اسم المنظمة الأساس؟ ويلفت النظر اسم حزبين، “الأكثرية الصامتة”، و”حزب الذين لا أمل لهم”، اذ يمكن اعتبارهما نظرة ساخرة من حال الشعب اللبناني اليوم، والأحزاب التي تسرح وتمرح في البلد وفق أهوائها ومصالحها، وليس لمصلحة الشعب.

أما بالنسبة الى تطوير القانون، فيوضح الأستاذ الجامعي علي مراد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “قانون 1909 الذي أقره العثمانيون من أكثر القوانين ليبرالية في العالم العربي، واستند إلى النص الفرنسي عام 1904، الذي تقوم فلسفته على العلم والخبر، وليس على الترخيص، بمعنى أن تعلن إدارة الجمعية أو الحزب إنشاء المنظمة ولا تنتظر الإذن للبدء بالعمل، ومهما كان الخلل في هذا القانون، والحاجة الى الفصل بين الأحزاب والجمعيات، إذا وقع الخيار بين قانون أقل ليبرالية أو يحد من فلسفة العلم والخبر، فالأفضل أن يظل الوضع كما هو عليه، كون ذلك يشكل تراجعاً في مفهوم الديموقراطية”.

ويرى مراد أن المشكلة الأساسية لا تتعلق بالقانون، بل بالرقابة اللاحقة على عمل الأحزاب والجمعيات، تحديداً في الشق المالي، ولكن لا يجب أن تكون رقابة على خيارات هذه الأحزاب.

وحول فرض القانون أن تكون الأحزاب وطنية، لا طائفية، يؤكد مراد أن “الأحزاب يجب أن تكون وطنية من حيث المبدأ، ولكن لن نستطيع حل مشكلة الطائفية بمنع الأحزاب ذات الطابع الطائفي، في حين أن الوعي السياسي بين الناس طائفي، وإن كانت هناك فئة تعتبر أن انتماءها الطائفي يتقدم على انتمائها الوطني، لا يكون لنا الحق بمنعها وممارسة الرقابة عليها، تحديداً أن المجلس النيابي في البلد يقسم طائفياً”.

ويشدد مراد على أن “الأحزاب بحاجة الى قانون يضبط ماليتها، ويجب أن تكون هناك مواجهة قضائية لكل خطاب يحرّض على العنف والكراهية، وعلى الطائفية، وليس منع الأحزاب الطائفية، أو أحزاب ذات بعد غربي وبعد شرقي، الأساس هو الرقابة اللاحقة وليس السابقة بمنع أحزاب لأسباب معينة من أن تكون موجودة”.

في النتيجة، نعم هناك حاجة إلى قانون عصري للأحزاب، ولكن لا يجب أن يمس بحق التشكيل، الذي يندرج تحت أسس الديموقراطية، ويكون أساسه تحديد أسس الرقابة ولا سيما لجهة ماليته وتمويله، وإن كانت هناك أحزاب أهدافها تروج للعنف والكراهية، لا يمكنها الحصول أصلاً على العلم والخبر، ولكن يبدو أن العالم يتغير، فقد أصبحت العنصرية لها أحزاب حول العالم، تحت اسم اليمين المتطرف، وقد بدأت دول أوروبية عديدة تشهد موجة صعود لأحزاب تكاد تصل إلى النازية، وهذه أوروبا العلمانية، فماذا يمكن التوقع للبنان الذي تنخره الطائفية أصلاً، وارتفع فيه الخطاب الطائفي في آخر عقدين من الزمن تقريباً، عدا عن الخطاب العنصري تجاه اللاجئين السوريين؟

على الأرجح أنه حتى لو أقر قانون عصري للأحزاب، فلن يمكنه منع موجة التطرف التي بدأت تطفو في الدول العلمانية، بل أصبح هناك في لبنان أحزاب يمكن أن تعد مخالفة للقانون كونها لم تقدم علماً وخبراً إلى الدولة، ولديها هيكليتها وقيادتها وتنتشر في الأراضي اللبنانية من دون حسيب أو رقيب.

شارك المقال