هوكشتاين عبد اللهيان بانتظار لودريان

لينا دوغان
لينا دوغان

هي زيارات ثلاث تحمل كل واحدة منها هدفها الخاص بها ، لكن ما نريده نحن كلبنانيين هي أن تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر، فلا تكون هذه الزيارات وبالتالي أهدافها تخدم فقط حسابات الآخرين ومصالحهم وتستبعد أن يكون لبنان هو المستفيد الأول إن كان في الشق النفطي أو موضوع الحدود البرية أو طرح الملف الرئاسي من الجانب الايراني وصولاً الى ما سيحمله معه الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الآتي قريباً للبدء بطاولة العمل التي طرحها على الفرقاء اللبنانيين في زيارته الأخيرة.

في قراءة تفصيلية لهذه الزيارات، نرى أن الزيارة الأميركية أي زيارة آموس هوكشتاين تأتي مع عملية بدء التنقيب في البلوك رقم ٩، وهو طبعاً كان له دور مهم في متابعة المفاوضات حول هذا الملف، ولا يزال يهتم به كونه أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية الذين عملوا على إنجازه بين الطرف اللبناني والطرف الاسرائيلي وهو ما بات يعرف بترسيم الحدود البحرية، لكن لزيارة هوكشتاين شق بَرّي يتعلق بما يجري على الحدود، خصوصاً بعد نصب “حزب الله” الخيمتين في مزارع شبعا، حيث جرى تسجيل توترات بارزة لم تصل الى حد الاشتباك المباشر إثر توغلات بين الطرفين وتصعيد كلامي وتهديدات جعلت المنطقة الحدودية في حالة غليان.

اذاً، زيارة هوكشتاين والتي جاءت بعد نحو أسبوعين على وصول منصة التنقيب عن الغاز إلى مكان الحفر في المياه الاقليمية اللبنانية، لم تحمل معها طرح موضوع الحدود البرية عبثاً، بل على ما يبدو أتى الطرح برغبة دولية لتثبيت استقرار معين في المنطقة، يتيح لعملية التنقيب واستخراج الغاز أن تتم بسلاسة ومن دون أي تهديد.

هوكشتاين أنهى زيارته بمؤتمر صحافي أعلن فيه أن الوقت حان لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، بعدما أشرف على اتفاق بحري بين البلدين اللذين لا يزالان في حالة حرب رسمياً.

بالتزامن، كانت زيارة أيضاً لوزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان، في ظاهرها تجديد دعم بلاده للبنان، أما في باطنها فالكثير من التحليلات من خلال اللقاءات الخاصة جداً التي أجراها، أولها ما نقله الى الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله عن لقائه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وأهمية عودة العلاقات مع السعودية التي ستنعكس إيجاباً عموماً على المنطقة ومن ضمنها لبنان، مؤكداً أن لا نية لإيران والسعودية بالتدخل في شؤون لبنان، لكن للرياض رؤى بشأن قضايا المنطقة بينها لبنان، وهو ما يعني أن الوضع فيه أخذ حيّزاً من محادثاته في السعودية. وبعد أن استفاض بالحديث عن العلاقات بين بلاده والسعودية وشدد على دعم إيران للمقاومة، صوّب وبالمباشر من لبنان سهام كلامه الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، داعياً إياه الى التركيز على مشكلات بلاده الداخلية بدلاً من انتقاد إيران، وذلك بعدما اتّهم ماكرون إيران بعرقلة الحلّ السياسي في لبنان، ما ينذر بانتهاء التحالف الايراني – الفرنسي غير المعلن في لبنان، والذي كان يتقاطع على تسمية المرشّح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بترشيح من الثنائي الشيعي.

وما يزيد الأمور تأكيداً في موضوع التحالف الايراني – الفرنسي، أن تطوراً جديداً وجدياً طرأ وهو في طور التحسن بين إيران والولايات المتحدة، اذ إن الحوار غير المباشر حول البرنامج النووي مستمر بينهما بمبادرة عُمانية، كما أن الحوار غير المباشر بينهما بشأن إطلاق سراح السجناء سيساعد في حلحلة الاتفاق النووي ويخفف من حدة التوتر في منطقة الخليج وأيضاً شرق سوريا.

ومع زحمة الزوار وزحمة ملفاتهم وملفاتنا، ننتظر زيارة الموفد الفرنسي الذي لم يحدد موعدها بعد، لكن التوقعات تشير الى أنها ستكون في منتصف أيلول. هي جولة ثالثة له، لكن لا يعوّل عليها الكثير من النواب والكتل البرلمانية خصوصاً المعارضون، الذين لم يجيبوا عن رسالته كتابة بالشكل الذي طلبه، عبر السفارة الفرنسية، وفضلوا الرد عبر بيانات ومواقف علنية، حسموا فيها عدم جدوى أي صيغة تحاور مع “حزب الله” وحلفائه.

زيارة لودريان المنتظرة والتي يترقبها الجميع، ستترافق بحسب المصادر مع حراك عربي وتحديداً قطري وأيضاً دولي، في محاولة لمساعدة القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية العام.

لكن هذا الترقب لا يحمل الكثير من التفاؤل، تحديداً بعد المبادرة التي أطلقها الرئيس بري عن حوار لسبعة أيام في شهر أيلول يليه عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس، ولاقت تأييد البطريرك الماروني بشارة الراعي، لكنها قوبلت برفض حاد من غالبية القوى المسيحية المعارضة.

في المحصلة، عنوان جولة لودريان الثالثة، هو الاستحقاق الرئاسي والخروج من أزمة الشغور والتفاهم على مواصفات الرئيس وشخصيته، ولديه مبادرة وهو الذي يقرّر الآلية التي سيعتمدها بشأن الحوار، وأيضاً الخطوات التي ستكون أساسية في جولته، بعد أن يطلع من الفرقاء على كل المواقف سواء الايجابية والسلبية، لكن لا أحد يعرف ما إذا كان سينجح في مهمته أم لا، لا سيما أن رفع السقوف الكلامية من فريق المعارضة يوحي بأن طرح الحوار لن يشق طريقه كما هو مأمول.

صحيح أن زيارة لودريان لترتيب الموضوع الرئاسي وجمع الأطراف وحثهم على انتخاب رئيس، كما أن زيارة هوكشتاين نفطية بحرية برية، وزيارة عبد اللهيان داعمة للبنان ولا تتدخل في الشؤون الداخلية فيه، لكن ستبقى كل ملفاتنا وحلولها بأيديهم، طالما ارتضينا أن لا يكون الحل بأيدينا.

شارك المقال