الطبخة السورية على نار المحاصصة اللبنانية والعراقية

عبداللطيف الضويحي

تعود الثورة السورية مجدداً بزخم ووتيرة وشعارات الثورة سنة 2011 هذه المرة في مناطق سورية محددة وبين فئات سورية معينة، وهي فئات ومناطق سورية وازنة ومؤثرة في المعادلة الشاملة للوحدة السورية والاستقرار في هذا البلد المنهك بالتشتت والتشظي والتجويع والتفقير. لكن إستئناف الثورة السورية هذه المرة لم يستأثر بمساحات فكيف يمكن فهم هذه المظاهرات والإحتجاجات؟ ولماذا تأخرت عن سابقاتها؟ وهل هي إمتداد لمظاهرات وإحتجاجات المعارضة السورية الممتدة منذ 2011 أم أنها إرتدادات تصحيحية لمسار الثورة السورية وتدارك لأخطاء الثورة السورية التي ربما شابها الكثير من خلط الأوراق والتشويه الإعلامي في بعض محطاتها ؟

رغم كثرة اللاعبين في الجغرافيا السورية، تقلّبت وإستدارت مواقف أغلب هؤلاء اللاعبين، وإن كانت تقلبات وإستدارات ضمن نطاق الصراع الدولي الثنائي بين المعسكر الروسي والمعسكر الأمريكي، ولا تزال المواقف والمواقع تتقلب وتتغير للغالبية من هؤلاء اللاعبين، وهذا ما عقّد الأزمة السورية وأطال أمدها ورفع كلفتها وضحاياها وهو ما تسبب بأكبر عملية نزيف وإستنزاف بشري في العقود الأخيرة ما بين لاجئين ونازحين ومهجرين وقوائم طويلة من الشهداء والمفقودين.

رغم التناقضات والتقاطعات وحدة الإستقطاب بين المعسكرين الدوليين المتناحرين في الساحة السورية، إلا أن هناك مساحة يترك فيها المجال لعمل المبعوث الدولي إلى سوريا، يمارس فيها عمل “المُخرِج” وليس “المُدير” للأزمة، وهو بالمناسبة ما ينطبق على عمل مندوبي الأمم المتحدة في أغلب مناطق النزاع. بحيث لا يكون مطلوبا من المبعوث الدولي للأمم المتحدة أن يدير الأزمة وصولا إلى حل يرضي الأطراف ويضمن السلام ويحقن الدماء، بل المطلوب من هذا المبعوث أن يُخرج ما بين يديه من نص وسيناريو للأزمة من وجهة نظر اللاعبين الكبار أو أحدهما.

الولايات المتحدة المُنهكة إقتصاديا والمُفلسة سياسياً، تريد دورا في الشرق الأوسط، دون أن تتحمل تكلفة هذا الدور، رغم أنها عبرت مرارا وخلال حقبة الديموقراطيين والجمهوريين عن رغبتها بترك المنطقة بغرض التفرغ للصين، ولم تتنبه إلى أن الصين والروس تجاوزوا وجودها الكمي في العالم من خلال وجودهما النوعي في مناطق العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط.

أما روسيا الغارقة في مستنقع أوكرانيا، المستنزفة من معسكر الناتو، فيهمها كثيرا التواجد على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لن تفرط بقاعدة حميميم السورية. لكن روسيا في المقابل تستشعر خطورة ضعف النظام في سوريا والذي يسيطر جزئيا على بعض المناطق السورية فقط، ناهيك عن تآكل شعبيته حتى بين حاضنته من الطائفة العلوية، بجانب تفاقم الوضع المعيشي الصعب الذي أصبح يلامس كافة شرائح وفئات المجتمع السوري. بالإضافة إلى مكابرة النظام السوري وعدم قدرته على فهم وإستيعاب المتغيرات الداخلية والخارجية للأزمة السورية، حتى أنه لم يستثمر طوق النجاة الذي مدّته له جامعة الدول العربية من خلال القمة العربية الأخيرة، للتقدم الخطوة المطلوبة التالية بإتجاه حل وحلحلة الأزمة السورية، وهذا واضح من خلال اللقاء التلفزيوني الذي إستضاف الرئيس الأسد في تلفزيون سكاي نيوز؟

من هنا وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن قراءة إنتفاضة أهل السويداء من الطائفة السورية الدرزية، والحراك السوري الكردي، وبعض التيارات السورية العلوية على أنها إرهاصات لبدايات إنتاج مشروع محاصصة طائفية سياسي على خطى نظام المحاصصة اللبناني ومشروع المحاصصة العراقي.

فنظام المحاصصة الطائفي بالتجربة هو أفضل نظام لصناعة دولٍ فاشلة. فما يحتاجه بعض اللاعبين الرئيسيين في الساحة السورية هو دولة فاشلة بشكلية ديموقراطية في الديكور العام. بالإضافة إلى أن نظام المحاصصة الطائفي في سوريا يخدم المشروعات التوسعية لدى جيران سوريا، ويؤمن لهؤلاء الجيران سرقة المياه والموارد، بالإضافة إلى شلِّ قدرة سوريا ونزع تأثيرها. والبديل هو توحيد المعارضة السورية من خلال مشروع وطني كونفدرالي تدعمه وتسانده وتتبناه جامعة الدول العربية.

فهل يمكن قراءة وإستقراء المظاهرات السورية مؤخرا في السويداء وفي بعض المحافظات السورية وبين بعض الطوائف والعرقيات بأنها مؤشرات بلورة وإنتاج مكونات نظام محاصصة سوري يستنسخ نظام المحاصصة اللبناني ونظام المحاصصة العراقي لخلط أوراق الأزمة السورية والقفز على مطالب الثورة السورية؟

أم أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الشعب السوري هي ما دفع محافظات مثل محافظة السويداء وطائفة مثل الطائفة العلوية للتظاهر على مدى أسابيع؟

المصدر: عكاظ

شارك المقال