حوارات لبنان فاشلة تاريخياً!

لبنان الكبير

حوار جديد يدعو إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، القوى السياسية اللبنانية، ولا يتوقع أن ينتج حلاً حقيقياً، لأن “من جرّب المجرب كان عقله مخرب”، فهي ليست المرة الأولى التي تحصل فيها دعوة الى حوار وطني في لبنان، إن كان قبل عهد بري أو خلاله، وكانت كلها باستثناء حوار الطائف نتيجتها الفشل، حتى لو توصلوا إلى اتفاق، وذلك بسبب نقضه من القوى السياسية، وفي آخر حوارات كان “حزب الله” هو الذي ينقلب عليها، ويفشلها، لأنها لا تناسب أجنداته.

في بحث تاريخي عن الحوار في لبنان، تشكلت هيئة الحوار الوطني عام 1976 في عهد الرئيس الشهيد رشيد كرامي، من شخصيات تمثل مختلف القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية في لبنان في حينه، وهدفت الى الوصول إلى اتفاق يكون مدخلاً لحل الأزمة المتفاقمة في ذلك الوقت. وعقدت أول اجتماعاتها في 25 أيلول من ذلك العام، وأجمع الأعضاء على ضرورة إعادة الأمن والحياة الطبيعية الى لبنان والتمسك بصيغة التعايش ووحدة الشعب والأرض وطناً للجميع. كما شُكّلت لجان مختلفة لوضع تصوّر لاصلاح سياسي ودستوري في البلاد، كان أبرزها لجنة الاصلاح السياسي، وبعد عدة لقاءات واجتماعات سواء لهيئة الحوار أو للجان المختلفة، عقدت الهيئة اجتماعاً في 24 تشرين الثاني تغيّب عنه الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط، ما دفع الرئيس صائب سلام والعميد ريمون إده الى الانسحاب منه، فانفرط عقد الهيئة نهائياً.

هذه الهيئة كانت بمثابة أول طاولة حوار بين القوى اللبنانية، وتلتها اجتماعات أخرى لهذه القوى ومنها برعاية دولية مثل جنيف ولوزان وكلها لم تفضِ إلى نتيجة، حتى أطل مؤتمر الطائف عام 1989 الذي اتفق فيه اللبنانيون أخيراً، واستطاعوا إعادة الحياة الطبيعية إلى البلد. وعلى الرغم من البداية الوعرة للاتفاق مع تمرد ميشال عون في ذلك الوقت، إلا أنه بعد إنهاء حالته الشاذة، فرض الهدوء نفسه على الحياة السياسية اللبنانية نسبياً، مع بعض المناوشات بين القوى من حين الى آخر، واستمر هذا الهدوء حتى العام 2005، لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فدخلت البلاد في حالة من الانقسام العمودي، الذي أدى في نهاية الأمر إلى تلازم الشلل المؤسساتي عند كل استحقاق دستوري في البلد.

بعد الانقسام الحاد بين 8 و14 آذار في ذلك الوقت، أطلق رئيس مجلس النواب دعوة لجمع الأقطاب السياسية في ساحة النجمة في آذار عام 2006، وكانت أول طاولة حوار وطني بعد الطائف. وقطعت حرب تموز استمرار الحوار في حينه، ليعود الرئيس بري ويستأنفه بعد الحرب، بهدف كسر الجليد بين القوى السياسية ومناقشة المواضيع الخلافية. وغاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله عن الجزء الثاني من الحوار لأسباب أمنية كما أفاد، وتم التوافق حينها على ميثاق شرف، لتخفيف الاحتقان السياسي، وعلى نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهر، فيما وافق الفرقاء على انتخاب رئيس جديد يحظى بالتوافق، وتم تأجيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية.

إلا أن الخلاف على ملف المحكمة الدولية، واستمرار الاغتيالات لم يَدَع هذا الميثاق يعيش طويلاً، ما دفع بوزارة الخارجية الفرنسية الى دعوة القوى السياسية لعقد جلسة حوار في سان – كلو باريس في تموز العام 2007، شارك فيها 14 ممثلاً عن القوى السياسية، وينقل أن المثالثة طرحت لأول مرة في هذا المؤتمر، إلا أنه لم يفضِ إلى أي نتيجة.

واستمر الخلاف والتوتر السياسي، ووصل إلى أوجه في 7 أيار 2008، حين أعلن “حزب الله” تمرده على الحكومة، واجتاح العاصمة بيروت وجزءاً من الجبل، حتى تدخلت الدول العربية، وعقد مؤتمر الدوحة في قطر، وكانت نتائجه في حينه ضرباً لاتفاق الطائف، بعد أن أعطى الحزب وحلفاءه ثلثاً معطلاً في الحكومة، وأفضى إلى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً، ودعا الأخير إلى جلسات حوار، جرى خلالها التوافق على ملفي النفط والعلاقة مع سوريا، وتكليف لجنة عسكرية درس موضوع الاستراتيجية الدفاعية. إلا أن هاجس التعطيل سيطر على العمل السياسي، في ظل رفع ورقة الثلث المعطل عند كل مفترق، وتجسد هذا الأمر بعد أن أعلن وزراء 8 آذار استقالتهم من الحكومة في كانون الأول 2011، بسبب رفض الرئيس سعد الحريري في ذلك الوقت مناقشة قضية ما يعرف بشهود الزور في قضية اغتيال والده، في جلسة حكومية، وسقطت في حينها الحكومة، لتأتي حكومة سمتها 14 آذار “حكومة القمصان السود”، على وقع بدء الحرب في سوريا، فما كان من الرئيس سليمان إلا أن كرر الدعوة الى جلسات حوار، أفضت في نهاية الأمر إلى الخروج باتفاق عُرف باسم “إعلان بعبدا”، شدد على النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراع، إلا أن “حزب الله” خرقه سريعاً، بحيث انخرط مباشرة في الحرب في سوريا لحماية النظام، بعد الاتفاق بفترة قصيرة.

وبعد الفراغ الرئاسي إثر انتهاء ولاية الرئيس سليمان، دعا الرئيس بري إلى طاولة حوار وطني عام 2015، إلا أنها “فرطت” اثر خلاف بين أركان 8 آذار مع “التيار الوطني الحر” حول الميثاقية، بعد أن أعلن الرئيس سعد الحريري دعمه لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، فيما كان ميشال عون مرشحاً ويدعمه “حزب الله”، وبالتالي لم يفضِ الحوار إلى نتيجة أيضاً.

ومنذ ذلك الوقت لم تحصل حوارات وطنية، حتى أن دعوات الرئيس عون الى الحوار لم تلقَ آذاناً صاغية من أركان 8 آذار، الى أن وصلنا إلى الفراغ الرئاسي منذ سنة. ودعا الرئيس بري إلى حوار مجدداً إلا أنه جوبه بالرفض من القوى المسيحية وتحديداً “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب”، فيما يبدو اليوم أن التيار متقبل للحوار. وكان بري يردد دوماً أنه يسير بالحوار إذا سارت به أي من الكتلتين المسيحيتيين الكبريين، ولكن يبقى السؤال: ما الضمانة أن ينتج الحوار حلاً؟ وهل الحوار أصلاً من أجل موقع الرئاسة أم أن المشكلة في العمل وأداء القوى السياسية؟

شارك المقال