صراع العشائر و”قسد”… تأطير النفوذ الكردي دعماً للمصالح المشتركة

لبنان الكبير

رأت الدول الكبرى والمجاورة لسوريا في ما يحصل في الداخل السوري بعد اندلاع الثورة، فرصةً مناسبةً لتقاسم مواقع النفوذ ومصادر الثروات على الجغرافيا السورية، ما أطلق العنان لصراع لانهائي لا سيما في شمالي شرق سوريا بعد أن تضاربت مصالح الدول الداعمة للمعارضة السورية، فعملت كل منها على تشتيت صفوفها وقوتها في إسقاط النظام السياسي في البلاد، ممعنةً في القضاء عليها بصورة جلية بعد أن ساهمت في دعم ظهور تنظيمات متطرفة منشقة وتحديداً في المنطقة نفسها وأبرزها “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”تنظيم الدولة الاسلامية” ووحدات خاصة بالأكراد وهي وحدات حماية الشعب التي عُرفت فيما بعد بـ “قوات سوريا الديموقراطية” وتضم أقليات من الأكراد والآشوريين والأرمن والشركس والتركمان سيطرت على كل مناطق شمال غرب سوريا بدعم أميركي أدى بصورة ملحوظة إلى القضاء على “داعش”.

نأت الجماعات الكردية بنفسها عن الأوضاع الحاصلة بعد اندلاع الثورة مع اتساع رقعة الصراع بين المعارضة والنظام نظراً الى قدرتها على تجنب المواجهة المباشرة مع الطرفين. ومع رحيل قوات النظام عن مناطقها لمقاتلة فصائل المعارضة في المناطق السورية الأخرى، تمكن الأكراد تدريجاً من خلق سيطرة واسعة شمال شرق سوريا وحماية هذه المنطقة وتقديم الخدمات الأساسية للسكان في سعيهم الى إحلال الاستقلال الكلي، الا أنَّ هذا المطلب اصطدم بعدة عوامل لا تزال تشعل حتى الآن فتيل المعارك بين الأكراد والجماعات العرقية الأخرى الموجودة في اقليم متنوع الأعراق أساساً، استطاعت الولايات المتحدة لم شمله تحت ذريعة اقتلاع نفوذ “تنظيم الدولة الاسلامية” وسعياً منها الى السيطرة على كميات النفط الفائضة في الاقليم.

استمر الأكراد في العيش بواقع لا يمكنهم تحقيقه بالتوزيع الراهن لحدود الدول المجاورة لهم كونها تتشابك مع سياداتها، وفي غياب أي سياسة اقليمية أو دولية موضوعية ومتسامحة تضمن حقوق الأقليات في الاقليم، مع اهتمام أميركا الأوحد بالحفاظ على ثرواتها النفطية ودعم الأكراد بالسلاح وتركهم يواجهون مصيرهم في العديد من المعارك كالتي حصلت في عفرين وعملية درع الفرات. استمرت المعارك الدامية في كل أطراف الاقليم بين فئاته من دون تدخل جذري ملموسة نتائجه خصوصاً بين الأكراد ممثلين بـ “قسد” والعشائر العربية سعياً منهما الى أن يجلب كل طرف نفوذاً أكبر في السيطرة السياسية والاقتصادية، الى أن بدأ المحور المعادي للنفوذ الكردي في المنطقة يستغل هذه المعارك للحد من تمادي هذا النفوذ، وذلك بعد أن استغل أحد قادة العشائر العربية الملقب بـ “أبو خولة” الانقسامات الثقافية والسياسية الحاصلة بعد التدوال على مواقع التواصل الاجتماعي بتسجيلات صوتية تعود اليه ويظهر فيها عزمه على تنصيب نفسه أميراً عشائرياً في المنطقة وممهداً لإقامة “إمارة زبيد”، مشيراً الى نيته تحقيق الانفصال عن “قسد” بعد أن وصمها بالانتداب.

تبلور هذا التطور بعد أن ظهر الى العلن انقسام عشائري بين مؤيد لـ “أبو خولة” ومعارض له عقب تعالي بعض الأصوات المناوئة والمحتقنة من تنصيب “قوات سوريا الديموقراطية” لنفسها كقائد فعلي للمنطقة، ما أدى الى قيام الأخيرة باعتقال “أبو خولة” في الحسكة، ومطالبة القيادي في مجلس دير الزور العسكري جلال الخيبل التحالف الدولي بالتدخل، وأبناء عشيرة العيكدات التي ينتمي اليها بالتحرك الفوري لمحاصرة مقرات “قسد” والضغط عليها للافراج عن “أبو خولة”، الأمر الذي أدى الى اشتباكات متبادلة بين الطرفين سجلت فيها “قسد” تقدماً بارزاً بعد أن تمكنت فجر الاثنين من استعادة السيطرة على الشحيل والحوايج المناطق الأساسية للعكيدات، مستكملة تقدمها نحو معقلها الأول في ذيبان بغية محاصرة شيخ القبيلة فيها.

وأشار الباحث السوري الدكتور أحمد الدرزي في حديث الى منصة “المشهد” الى أن تأثير المتغيرات الدولية على وضعية الصراع الراهن له صلة وثيقة بما يحصل، فإضافة الى التنافس على الأراضي الخضراء الواسعة تطمح “قسد” الى تشكيل ادارة ذاتية تتمكن من احتواء الأقليات الأخرى تحت قيادتها، وتتخوف من إعادة الدفء الى العلاقات الأميركية – التركية والتي قد تؤثر على تمركزها في مناطق شمال شرق سوريا، وذلك بعد لقاء الرئيسين الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب أردوغان في قمة حلف الناتو، وتزامن ذلك مع المرونة في الموقف التركي تجاه انضمام السويد إلى الحلف ما يدل على اتفاق أميركي – تركي في عدة ملفات. وهناك توافقٌ جيوسياسي كبير وتباين في الموقف التركي، اذ تعتبر العلاقات مع تركيا مهمة جداً لواشنطن لمحاصرة الصين وروسيا واحتواء ايران التي تعتبر وفقاً للرؤية الأميركية أهم نقطة استراتيجية في المشروعين الأوراسي الصيني ومبادرة الحزام والطريق.

وبرأيه، فإن ارضاء تركيا من خلال افساح المجال لابعاد حزب “العمال الكردستاني” بنسخته السورية لا يمكن أن يتم الا من خلال تقوية العشائر العربية وأن تكون هي صاحبة الدور الأساس بما يؤمن الحماية للحدود التركية – السورية واعتقال “أبو خولة” الممثل للعصب الأساس في مجلس دير الزور العسكري والمعتمد من الولايات المتحدة، تبعاً لذلك يظهر بصورة واضحة أن “قسد” تسعى الى خلق مجلس جديد مؤلف من شخصيات عربية ليست لها طموحات في المنطقة.

شارك المقال