خطر النزوح الجديد: تلكؤ حكومي في العلن وضغوط من الخلف؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

كان ينقص أن تعلق لافتات كبيرة على مداخل المعابر غير الشرعية للترحيب بالنازحين السوريين الجدد الداخلين خلسة “أهلا بهالطلة” مع فارق أن هذا السائح مقيم الى يوم الدين ولا يملك دولارات بل جاء بحثاً عنها!

ظاهرة مخيفة أشد خطورة من سابقتها وهي النزوح السوري الجديد والكثيف باتجاه لبنان عبر معابر غير شرعية ممتدة على طول الحدود من حاصبيا الى المصنع والهرمل وكفر زبد والعبدة وكل المعابر الفالتة التي يجتازها يومياً نحو ألف سوري باتجاه لبنان هرباً من الضائقة الاقتصادية… ظاهرة أصبح من الصعب ضبطها طالما التنسيق بين الطرفين ضعيف وامكانات الرقابة خجولة بحسب ما يؤكد مصدر أمني رفيع لموقع “لبنان الكبير”، مشيراً الى أن النازح السوري هذه المرة لا يدخل لبنان نتيجة خوفه وهروبه من النظام، بل بسبب الحالة المعيشية المزرية التي وصل اليها في بلده وطمعاً بما يصله من أخبار بأن أبواب الرزق مفتوحة في لبنان.

ويلفت المصدر الى أن المفوضية العليا للاجئين مستمرة في إجراءاتها المغرية ولا تزال تصدر لهؤلاء بطاقات نزوح من دون معايير ولا أسباب ضمن آلية معقدة تبين أنها تحتاج الى تقنيات جديدة لتسليمها ووضعها على منصة platform وضمن اتفاقية واسعة، وهذا ما يتم العمل عليه حالياً ويحتاج الى عشرة أسابيع لإنجازه.

ويرفض المصدر اعطاء أرقام تقديرية لحركة الدخول الجديدة باعتبار أن المعابر غير الشرعية مفتوحة والحركة كثيفة، قائلاً: “لنكن واقعيين، امكاناتنا ضعيفة جداً والبلديات تعمل بالحدود الدنيا، ثم ان المستفيدين كثر من العامل السوري واللبناني يعيش انفصاماً في موضوع النزوح، من جهة يشكو ويبكي وفي الوقت نفسه يعتمد على السوري في كل شيئ ويسترخص اليد العاملة السورية في كل أعماله الى حد حمايته بالوسائل كافة”.

ويخلص المصدر الى التأكيد أن هذا الملف الكبير والمتفجر يسير وفق ثلاثة مسارات ويحتاج الى ثلاثة قرارات (trepied) لبناني وسوري ودولي، والثلاثة غير متوافرة اليوم، لا السوري يملك القرار بسبب الوضع الاقتصادي المزري لديه، ولا اللبناني بفعل ضعف المؤسسات وعدم انتظامها وقلة حيلته في مواجهة المجتمع الغربي، والقرار الدولي معاكس لغاية في نفس يعقوب، وهذا ما يجعل الأزمة تزداد تعقيداً والخوف من أن تخرج عن السيطرة فتصبح الحلول مستحيلة، ويتحول الوجود السوري الى أمر واقع تماماً كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين، جازماً بأن هذا الملف لا يمكن حسمه الا بقرار سياسي كبير .

والى التخبط في الأداء الحكومي بحيث أصبح واضحاً أن الأمور لا تسير على السكة الصحيحة، وتبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات سيدا الموقف، اذ يصر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار على أنه يقوم بما هو مترتب عليه، ويقول لموقع “لبنان الكبير”: “أنا أعمل وفق صلاحياتي وأبادر ضمن حدود توعية شعبية على مخاطر هذا النزوح، والفرق في مقاربة هذا الملف وفي المزاج الشعبي تبدل منذ سنتين الى اليوم بفعل هذه التوعية. وأنا أدعو الى تحرك شعبي واعلامي، والسؤال: لماذا التأخير الى اليوم في تشكيل الوفد الذي يجب أن يدير الأزمة ويذهب الى سوريا بعد تنحي وزير الخارجية عبد الله بو حبيب؟”.

ويضيف حجار: “هذه مهمة الرئيس نجيب ميقاتي وهو لغاية اليوم لم يسمِّ رئيساً جديداً للوفد وكل ما عدا ذلك هو من الشرير”.

وحول أسباب التأخير، يجيب حجار: “السؤال يوجه الى ميقاتي، أنا قلت له رأيي في جلسة مغلقة معه وأترك له الافصاح عما قلته في هذا اللقاء”. ويوضح أنه يتعاطى في ملف النزوح ضمن الدور المنوط به وهو المتابعة انسانياً وخدماتياً، مؤكداً أن “الوزارة لا تستلم أي قرش من جهة دولية تعنى بالنزوح، لا من المفوضية ولا من LCRP ولا منUNDP ، ودورنا المتابعة على المستوى الميداني وفض النزاعات بين النازحين والمجتمع المضيف على الأرض، واذا كان هناك من لديه امكانية للقيام بأكثر مما نقوم به فليتفضل ويستلم”.

ويشدد على أن الاقتناع الذي سبق ووصل اليه لم يتبدل من أن الأمم المتحدة تنفذ سياسة دولية بصورة واضحة وهو وجوب انتظار الحل السياسي الذي لا توقيت له، والقناعة الثانية أن التعاطي الحكومي في هذا الملف ليس على مستوى التطلعات ولا على مستوى المخاطر الكبيرة الناتجة عنه.

اما وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين فيرى أن الحكومة متلكئة في ايجاد الحل الجذري، ويقول لموقع “لبنان الكبير”: “ان هذا الحل يكون بذهاب وفد رسمي الى سوريا وإبرام بروتوكول مع السلطات السورية والاتفاق على خطة عودة وحماية للحدود وضبطها. الاجراءات التي اتخذت الأسبوع الماضي هي إجراءات أمنية بسبب النزوح الجديد غير المبرر والخطير والمخيف والذي اذا تساهلنا فيه سيدخل أضعاف الموجودين حالياً لكن هذا لا يكفي. نحن بحاجة الى ٤٠ ألف عنصر من الجيش اللبناني لضبط الحدود والمتوافر فقط هو ٨٠٠٠ عنصر يتناوبون ليلاً ونهاراً في ١.٨ مراكز مراقبة و٣٨ برج مراقبة يتم عبرها توقيف بمعدل ١٥٠ شخصاً يومياً (الأسبوع الماضي جرى توقيف ٧٠٠ شخص في يوم واحد وأعادوهمpush back) وفي شهر آب أوقف الجيش ٨٠٠٠ نازح، ومنذ بداية العام والى اليوم جرى توقيف ٢٢ ألفاً وأعادوهم، وهذه أرقام من استطاع الجيش توقيفهم اما من تسللوا ودخلوا فلا يمكن احصاؤهم لأنهم يدخلون من طرقات ومعابر خلسة ومن الصعب ضبط كامل الحدود. والمعطيات التي قدمتها الأجهزة هي وجود ٥٨٠٠ موقوف سوري في السجون اللبنانية من بينهم ٨٠ ارهابياً و٢١ من حملة السلاح وهذا مؤشر خطير، والآخرون موقوفون بجنح سرقة مختلفة وجرائم قتل، وقد طلبنا من المفوضية فصل الملف الانساني عن السياسي وتشكيل لجنة ثلاثية بينها وبين لبنان وسوريا والاستمرار في إعطاء مساعدات للنازح عند عودته الى سوريا، وهذه التوصيات غير ملزمة لكنها تساعد في الضغط على رئيس الحكومة لتسمية رئيس وفد جديد”.

ويكشف شرف الدين أن “هناك ضغطاً أميركياً غربياً من خلال المفوضية، وعلمنا أن هناك تحذيرات تصل الى بعض الشخصيات من بينها وزير الخارجية من السفيرة الأميركية وضغوطاً على رؤساء الكتل مثل الوزير جبران باسيل، وهذه الضغوط تمارس كذلك على الرئيس ميقاتي وتنعكس تلكؤاً للقبول بالذهاب الى سوريا وبجدية التعاطي مع مخاطر هذا الملف”، محذراً من أن “هذا النزوح الاقتصادي الجديد لا يقل خطورة عن النزوح السابق نتيجة انهيار العملة السورية والحصار الأميركي والاستيلاء على منابع النفط والثروات الغذائية من الحبوب في شمال شرق سوريا”.

“يا جاري انت بدارك وأنا بداري” أصبحت “يا جاري انت بداري وأنا بداري” أو بالأصح انت بداري وأنا أبحث عن وطن جديد على أبواب السفارات.

شارك المقال