بين لبنان وناورو المشكلة واحدة: سياسات خاطئة وقوى فاسدة

محمد شمس الدين

ينتظر اللبنانيون اليوم على أحر من الجمر اكتشاف بئر تجارية في البلوك رقم 9 في المياه الاقليمية لبلدهم، علّها تكون خشبة الخلاص من الأزمة التي يعانيها، ويتعافى اقتصاده وتنتظم ماليته، وهو ليس البلد الوحيد الذي يتمنى اكتشاف ثروات في أرضه من أجل انعاش الاقتصاد، ولكن من بين كل الدول المتعثرة التي تتمنى أن تجد “منجمها الذهبي”، تلفت ناورو النظر كونها تشبه الحالة اللبنانية بصورة كبيرة.

فجمهورية ناورو الاقتصادية الشعبية الحرة المطلقة، هي دولة جزرية صغيرة في أوقيانوسيا، وسط المحيط الهادئ، وثالث أصغر دولة في العالم بعد الفاتيكان وموناكو، وكانت إحدى أغنى الدول بالنسبة الى الدخل الفردي، ولكن سرعان ما تحولت إلى إحدى أفقرها بسبب السياسات الخاطئة، وتتمنى أن تنجح عمليات التعدين في مياهها الاقليمية عام 2025 لتستفيد من الثروات الكامنة من أجل إعادة التعافي الى اقتصادها.

في سرد تاريخي لناورو نجد أنها جزيرة نهب ثرواتها الاستعمار، وكانت تمتلك ثروة ضخمة من الفوسفات، ولكنها بمجرد أن نالت استقلالها عام 1968، وسيطرت على تجارة الفوسفات أصبحت إحدى أغنى دول العالم بالنسبة الى الدخل الفردي، بحيث كان الناتج المحلي الاجمالي للفرد بين منتصف السبعينيات وأواخر الثمانينيات يُقدر بـ50 ألف دولار. وتراكمت ثروة الدولة في صندوق استثماري بلغت قيمته أكثر من مليار دولار للجزيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ 7 آلاف نسمة، وأصبحوا يتلقون آلاف الدولارات في شكل معونات حكومية كل عام، فأهملوا الزراعة وأي عمل آخر.

ولكن الخيارات الاقتصادية الخاطئة وانتشار الفساد بين سياسييها، ضيّع هذه الثروة، ومن أبرز الأخطاء التي قاموا بها إنشاء شركة الطيران الوطنية لعدد ضئيل جداً من السكان، ما جعل 80% من الرحلات الجوية فارغة، والأسوأ أن الحكومة قررت جعل الطيران مجانياً الأمر الذي تسبب بإفلاس الشركة لاحقاً. كذلك، قررت قيادات ناورو شراء الفنادق والعقارات في جميع أنحاء العالم بمئات الملايين من الدولارات، لكن العديد من هذه الاستثمارات فشلت وخسرت الأموال بسرعة أكبر. بالاضافة إلى ذلك قررت حكومة ناورو لاحقاً إنتاج مسرحية موسيقية عن حياة ليوناردو دافينشي، واستثمرت فيها 5 ملايين دولار، وعرضت في لندن، ولكنها لم تحظَ بأي جمهور يذكر وأغلقت بعد 5 أسابيع فقط.

أضف إلى ذلك الفساد المالي للمسؤولين والاختلاس، وعمل الحكومة مع مستشارين أجانب أساؤوا إدارة ثروات البلاد وبددوا جزءاً كبيراً منها، وقاموا باختلاس بعضها.

وعندما كانت البلاد في أوجها اقتصادياً عاش سكانها أسلوب حياة خاملاً، واتبعوا نظاماً غذائياً غير صحي، فبعد تدمير المساحات الزراعية بسبب تعدين الفوسفات اعتمدوا على استيراد الأغذية المصنعة غير الصحية والتي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكر، وقدرت منظمة الصحة العالمية أن 94% من سكان ناورو يعانون من السمنة، بحيث أن متوسط وزن سكانها يصل إلى 100 كيلوغرام.

بعد الثروة الضخمة انهارت البلاد اقتصادياً عقب جفاف كميات الفوسفات، وبحلول العام 2002، كانت ناورو مدينة بمبلغ 239 مليون دولار أميركي، ما أدى إلى الحجز على جميع أملاكها في الخارج، وصودرت طائراتها وأعلن مصرفها المركزي الافلاس.

وما يزيد الطين بلة أن تعدين الفوسفات قضى على 80% من أراضيها، وليست هناك مساحات زراعية كافية لقضاء حاجة مواطنيها وتنعدم فيها فرص العمل لهم.

الأزمة الاقتصادية دفعت دولة ناورو إلى أن تصبح ملاذاً لتبييض الأموال، بحيث تبيع تراخيص البنوك الوهمية، بل وتبيع جوازات سفرها ومنها الديبلوماسية التي تمنح الحصانة، وكان أكبر عملائها المافيا الروسية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى فرض عقوبات عليها وصنفتها وزارة الخزانة الأميركية كدولة لغسل الأموال.

وتعيش الجزيرة اليوم على المساعدات من أستراليا، التي وجدت فيها حلا مناسباً لأزمة اللاجئين لديها، بحيث تنقل طالبي اللجوء إلى مراكز احتجاز فيها، بدلاً من البر الرئيسي الأسترالي، مقابل دفعات مالية ومساعدات للجزيرة.

وتعلق ناورو آمالاً عالية على إعادة استخراج الفوسفات، وهذه المرة من مياهها الاقليمية، حيث من المفترض أن تبدأ عمليات التعدين في 2025، ولكن هل تعلمت من أخطائها أم أنها ستكرر سوء إدارة ثرواتها؟

حال ناورو يشبه كثيراً حال لبنان، الذي ازدهر اقتصاده كثيراً في فترة الستينيات، ثم ضرب خلال الحرب الأهلية ليعود ويزدهر بعد الطائف، إلا أن القيادات السياسية دمرت البلد بعد اساءة إدارة الاقتصاد وتفشي الفساد، ما تسبب بانهياره، وأصبح شعبه معلقاً بـ “قشة” الثروة الغازية التي يمكن أن يحصل عليها في مياهه الاقليمية، إلا أن العقلية المسيطرة على القوى السياسية لا تزال هي المحاصصة، ما يعني أنه حتى لو وجدنا ثروات في البحر، ليست هناك ضمانة أن يستفيد منها لبنان وشعبه، بل قد تذهب إلى جيوب السياسيين ومحظييهم، على أمل أن لا يعني ذلك أن يتشابه لبنان مع ناورو، ويصبح ملاذاً لتبييض الأموال والأعمال غير المشروعة.

شارك المقال