زيارة الراعي الى الجبل… تثبّت محطة 2001 التأسيسية التاريخية

هيام طوق
هيام طوق

يوم 3 آب ليس يوماً عادياً في ذاكرة اللبنانيين اذ شهد في عام 2001 محطة تاريخية تمثّلت في مصالحة الجبل حين انطلق فجراً موكب البطريرك الماروني الراحل نصر الله بطرس صفير من مقر البطريركية في بكركي الى الجبل بعد أن تأجلت هذه الزيارة أكثر من مرة، وكان البطريرك الذي يبلغ من العمر 81 عاماً حينها، يعلم أن أمامه برنامجاً حافلاً يمتد على مدى يومين، لكنه اتخذ قراره ومضى اذ بدا متمتعاً بحيوية الشباب، كيف لا، وهو أراد أن يطلق مساراً جديداً في تاريخ لبنان حتى باتت تلك الزيارة تعرف بـ “مصالحة الجبل” بين بطريرك الموارنة وزعيم الدروز وليد جنبلاط. الموعد الأهم في هذه الجولة كان في قصر المختارة، حيث الجميع ينتظر التقاط تلك الصورة التذكارية عندما سيتصافح زعيم الدروز السياسي والزعيم الروحي للموارنة على الرغم من أن المحطة الأولى كانت في دارة الأمير طلال أرسلان.

وفيما تعددت المواجهات بين الدروز والموارنة من العام 1840 إلى العام 1860 في ظل حكم السلطنة العثمانية، ثم في حرب الجبل عام 1983 حين هُجّر المسيحيون منه، كان المطلوب وضع حد لكل تلك المآسي، وفتح صفحة جديدة، وحان الوقت في ذلك اليوم من أيام آب. الا أنه لا بد من العودة إلى حقبة الراحلين كميل شمعون وكمال جنبلاط، التي تميّزت بهدوئها واستقرارها بفضل حنكتهما السياسية، لكن فترة الثمانينيات وما تبعها من مراحل شهدت إنزلاقات سياسية وطائفية ومناكفات ومعارك بين أبناء الجبل، وكان لا بدّ من طيّ صفحة الماضي الأليم مع انتهاء الحرب، لتبدأ مرحلة التفاهمات المرحلية، وصولاً إلى إرساء مداميك المصالحة بعد الطائف من خلال مؤتمر بيت الدين، ثم جرى التوقيع على الوثيقة التاريخية بين الرئيس السابق أمين الجميّل والنائب حينها وليد جنبلاط في قصر المختارة، وصولاً الى المصالحة التاريخية في آب 2001، بحيث يسير البطريرك بشارة بطرس الراعي، على مسار سلفه البطريرك صفير، ويتفقد الجبل كل فترة، ويتابع جولاته لإحياء المصالحة، ويستعد لزيارة الجبل يوم غد الجمعة في الثامن من أيلول لتثبيت أسس العيش المشترك.

في هذا الاطار، وبالتزامن مع الذكرى الـ 22 للمصالحة، كان شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى قد زار الديمان قبل شهر تقريباً، على رأس وفد من المجلس المذهبي ومشيخة العقل، والتقوا البطريرك الراعي للمساهمة أكثر في تثبيت أبناء الجبل في قراهم. وبالأمس، استقبل رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” النائب تيمور جنبلاط، في كليمنصو، مطران أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمّار للبحث في تفاصيل زيارة الراعي إلى الجبل، ورحّب جنبلاط بالزيارة، مشدداً على أهميتها “لما تمثله من تجديد تأكيد المصالحة والتمسك بالتلاقي والحوار”.

ويصل البطريرك الراعي في التاسعة صباحاً وتكون محطته الأولى في دارة الشيخ أبي المنى في شانيه، ثم يتوجهان إلى دار المطرانية في بيت الدين، وسيكون في استقبالهما عدد من رؤساء البلديات والمخاتير والكهنة والأهالي. وفي الثانية عشرة إلا ربعاً، يتوجه الراعي في محطته الثانية إلى بعقلين – المكتبة الوطنية لإلقاء محاضرة بدعوة من لقاء الشوف الجامع، بعنوان “ثمار المصالحة… وآفاق المستقبل”، يشارك فيها الشيخ أبي المنى. يليها في الواحدة من بعد الظهر غداء في المختارة على شرف البطريرك الذي سيرأس في السادسة مساءً قداساً إحتفالياً في دارة المطرانية في بيت الدين. ويختتم الراعي زيارته بعشاء يقيمه النائب السابق نعمة طعمة، في التاسعة مساءً، على شرفه والمطارنة والكهنة في قصر المير أمين.

إذاً، مصالحة الجبل التاريخية عام 2001 توافق عليها الطرفان، المسيحي والدرزي، وعلى ضرورة نسيان الماضي الأليم وإعلان الإيمان المشترك في الهوية، لأنّ قيمة لبنان بتعدّديته وتنوّعه، ولا بد من التساؤل: هل المصالحة التي أنهت حرباً طائفية استطاعت أن تقتلع الطائفية ومآسي الحرب وآثارها من النفوس؟ وما أهمية زيارة البطريرك الراعي الى الجبل بعد 22 سنة على المصالحة؟

قال النائب بلال عبد الله لموقع “لبنان الكبير”: “من يريد أن يتأكد من المصالحة في النفوس فليزر الجبل، ويتجول بين القرى والبلدات ليلمس أن المصالحة تمّت فعلياً في النفوس. هذا الموضوع وطني لا يمكن العبث به، وهو خارج اطار القراءات السياسية. طوينا صفحة الحرب، ونثبّت العيش المشترك الواحد. هذا الملف لا يخضع لرغبات ونوايا واجتهادات انما الأمر يتعلق بأناس يتعايشون مع بعضهم البعض”.

واعتبر أن “زيارة البطريرك لها علاقة بتركيبة البلد وبالمصالحة والعيش الواحد، والتأكيد أننا أقفلنا ملف الحرب الأهلية الى الأبد، واليوم نبني مداميك العيش المشترك. ليست الزيارة الأولى التي يقوم بها البطريرك الراعي الى الجبل انما الثالثة، وهو يركز على مثل هذه الزيارات لأنه يعرف أبعاد المصالحة في الاطار الوطني، لكن هذا لا يعني أن هناك جديداً”.

وأشار الى “أهمية المصالحة، واستكمالها بالملفات الانمائية والثقافية والتفاعل الدائم، والأهم اليوم، الحفاظ على هوية البلد اذ إن الأزمة والتشابك السياسي الحاصل يهددان الهوية ورسالة لبنان، لذلك، الزيارة تتخذ الطابع والبعد الوطني وليست تكتيكاً محلياً”.

ورأى النائب السابق فارس سعيد أن “المصالحة ليست حدثاً وينتهي انما هي مشروع مستمر ويومي وبحاجة الى حوار دائم وبلورة نظام مصلحة مشترك دائم، وما حصل عام 2001 كان حدثاً استثنائياً أسس له البطريرك صفير والوزير وليد جنبلاط وقرنة شهوان، انما تبقى هذه المصالحة حدثاً اذا لا يبنى عليها نظام مصلحة مشترك واذا لا تستكمل بمشروع حوار دائم”، مشدداً على أن “ما يحصل اليوم بعد 22 عاماً من خلال زيارة البطريرك الماروني الى الجبل، حدث مهم لاستكمال ما كنا قد بدأنا به في العام 2001. الزيارة حدث مهم جداً لأنها تستكمل حدثاً تأسيسياً تاريخياً”.

أضاف: “بقدر ما نرى مشاهد المصالحة بقدر ما نرتاح، وبقدر ما نرى مشاهد قبرشمون بقدر ما نعود الى الوراء. وبالتالي، نحن نريد أن نرى صورة المصالحة، ونرفض الصورة المعاكسة”. ولفت الى أن “الزيارة تؤكد أن الزمن مهما طال، ومهما حصلت تقلبات، فإن الحدث التأسيسي في العام 2001 ثابت ودائم وسيستمر. هناك بعض الأمور الاجرائية التي يجب أن يأخذها هذا الطرف أو ذاك، لكن هذا سيأتي مع الوقت ومع بلورة نظام المصلحة المشترك. اما ما تقوم به بكركي والمختارة فمهم جداً على طريق المصالحة الدائمة”.

شارك المقال