لا تسويات داخلية أو خارجية ناضجة… هل الحوار بديل؟

هيام طوق
هيام طوق

كثيرون يتفقون على أن شهر أيلول اذا لم يشهد حلحلة في الملف الرئاسي، فالبلد ذاهب الى المجهول، وأبوابه ستُشرّع أمام كل المخاطر خصوصاً أنه لم يعد بإمكانه الصمود أكثر حتى أن البعض حدّد موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية بين 21 و27 الشهر الجاري، لكن لا دليل على ذلك الى اليوم.

في كل الأحوال، فإن شهر أيلول وتحديداً الأسبوع المقبل، سيحدد الدفة الرئاسية إن كانت تميل الى السلبية أو الايجابية في ظل انتظار وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي كان قد اقترح في تموز الماضي أن يجتمع جميع الفاعلين السياسيين اللبنانيين في أيلول للتوصّل إلى “توافق” يسمح بإنهاء الشغور الرئاسي، الا أن المعطيات المتوافرة اليوم تشير الى أنه سيقوم بجولة ثالثة على القوى السياسية، ويتولى البحث معهم بصورة ثنائية مستنداً الى ما جاء في الأجوبة التي قدموها رداً على تساؤلاته مع العلم أن العديد من النواب من مختلف الكتل أكدوا لـ “لبنان الكبير” أنهم لم يبلغوا أي أمر من لودريان كما لم تصلهم أي دعوة الى الحوار قبل ساعات من وصوله الى بيروت.

وفي انتظار مسعى لودريان، تعقد على الساحة الداخلية لقاءات متعددة ومكثفة بين الأطراف، ولعلّ أبرزها اللقاء الذي جرى بين رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزيف عون ما طرح تساؤلات حول امكان قبول “الحزب” بقائد الجيش، وفي حال سارت الأمور في هذا الاتجاه، كيف يمكن سحب ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من السباق الرئاسي؟ وهل سيتمكن “الحزب” من اقناع حليفه “التيار الوطني الحر” بالتراجع عن موقفه الرافض لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية وسط معلومات تتحدث عن تسوية خارجية تتم في هذا الاطار، ومن عناصرها وعد فرنجية بتوزير نجله النائب طوني في حكومة العهد الجديد الأولى؟

انها سيناريوهات متعددة، لكن لا شيئ ملموس، وما من معطيات مؤكدة في الاستحقاق الرئاسي على الرغم من أن الجميع يتحدث عن تسوية تُعد للخروج من المأزق، ما يذكر بوثيقة التفاهم التي وقُّعت بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب في 18 كانون الثاني سنة 2016، وتقضي بتبنّي جعجع ترشيح ميشال عون إلى الانتخابات الرئاسية 2016، بعد سنوات من الخلاف، كما اتّفقا على توزيع المقاعد الوزارية ومناصب الفئة الأولى بالمناصفة. وفي 31 تشرين الأول، انتخب عون رئيساً للجمهورية بعد سنتين من الشغور، إلا أنّ العلاقات بينهما سرعان ما توتّرت، ما أدّى إلى توقّف العمل في الاتفاق.

وبما أن التاريخ يعيد نفسه خصوصاً أن اللاعبين السياسيين لا يزالون هم أنفسهم منذ عشرات السنين، وفي وقت تعترف الجهات السياسية المختلفة بأن انتخاب رئيس جمهورية لبنان، تاريخياً، يحصل اما بتدخل خارجي أو بتسوية خارجية تؤدي الى التوافق على اسم لينتخبه النواب في البرلمان، فلا بد من التساؤل: في حال تحققت التسوية اليوم لا سيما أن هناك شبه استحالة لانتخاب الرئيس وفق ما يقتضيه الدستور، ما الذي يمنع الرئيس المقبل بغض النظر عن اسمه من التراجع عن بنود التسوية أو الالتزامات التي وعد بها قبل انتخابه؟ وهل يمكن أن يتكرر سيناريو اتفاق معراب عام 2016 بتسوية رئاسية عام 2023، مع لاعبين آخرين، وبالتالي، يتحول الرئيس المنتظر من المنقذ الى المعرقل؟

شدد النائب محمد خواجة على أن “لا تسوية اليوم على غرار ما جرى سنة 2016، والحوار المطروح حالياً يهدف الى الخروج من المأزق الرئاسي. كل من يرفض التجاوب مع مبادرة الرئيس نبيه بري، يضع حول نفسه علامات استفهام اذا ما كان يريد فعلاً انتخاب رئيس الجمهورية أو أن تستمر الجمهورية بلا رئيس؟”.

وأكد أن “الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري سيتمحور حول بند وحيد هو الاستحقاق الرئاسي، ومحدد على مدى 7 أيام. اذا وصل هذا الحوار الى نتيجة ايجابية أو لم يصل، فسيدعو الرئيس بري الى جلسة انتخاب متواصلة بدورات متتالية وصولاً الى انتخاب الرئيس العتيد، وصعود الدخان الأبيض”.

وأوضح النائب وليد البعريني أن “هناك نوعين من التسويات: الداخلية والخارجية، لكن اليوم ليس هناك أي تسوية لا على صعيد الداخل ولا على صعيد الخارج على الرغم من المساعي التي تقوم بها الدول وتطلب من اللبنانيين الاتكال على أنفسهم في الاستحقاق الرئاسي، وأنها لن تتدخل في الأسماء ثم نراهم في مكان ما يعملون عكس ذلك. هناك تخبط وحالة من الضياع في الداخل والخارج. الرئيس بري دعا الى الحوار، ونحن نتمنى أن يكون منتجاً وايجابياً”.

وأشار الى أن “التسوية على اسم في حال حصلت يجب أن تتم وفق شروط واتفاقات مسبقة، وبصورة شفافة. أما اذا أتت غامضة، ولا أحد يعلم كيف تمّت، فليس مستبعداً حينها أن يتكرر سيناريو السنوات الست السابقة لا بل ستكون الحالة أسوأ لأن البلد لم يعد يحتمل المزيد، وليس بإمكانه الصمود”، مؤكداً “أننا مع التفاهم والحوار والتلاقي، وليس التسوية التي يمكن أن يوضع حولها الكثير من علامات الاستفهام”.

وقال: “لا بد من انتخاب رئيس للجمهورية يكون على مستوى المرحلة الصعبة والدقيقة لينقذ البلد”.

واعتبر النائب السابق ماريو عون أن “التسوية الخارجية لم تتبلور الى اليوم كما أن التفاهم الداخلي لم يصل الى نتيجة، وبالتالي، في موضوع الاستحقاق الرئاسي لا نزال في مرحلة راوح مكانك، ولن ينتخب الرئيس في المدى المتوسط لأن اللبنانيين لا يزالون في مرحلة التناتش على هويته، اذ هناك فريق يرفع سقف مطالبه وآخر متمسك برأيه، وهذا لا ينتج رئيساً”، مشدداً على أن “لا بد من الحوار على الرغم من أنه لا يجب أن يحصل بالمطلق في الاستحقاق الرئاسي، لكن بما أننا وصلنا الى ما نحن عليه، فالحوار أصبح لا بد منه للخروج من المأزق. لا يجوز عند كل استحقاق رئاسي أن تحصل التفاهمات لأن ذلك يناقض الديموقراطية ليحل محلها التسلط”.

شارك المقال