لودريان يدعم مبادرة بري… اعلان الانسحاب أو التمسك بالحوار؟

هيام طوق
هيام طوق

عاد الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت بعد أن غادرها في تموز الماضي على أمل أن تكون الطبخة الرئاسية قد نضجت على نار آب اللهاب، لكن لا يبدو أن الحرارة المرتفعة قد أسهمت في انضاج أي طبخة، ولا آب اللهاب نجح في تلطيف الأجواء السياسية بين مختلف القوى، وبالتالي، يجمع كثيرون على أن مسعى لودريان لن يصل الى أي نتيجة الا اذا كانت هناك خطة “ب” لم يعلن عنها الفرنسيون الى اليوم، ولا تبدو أي ملامح لها.

إذاً، يجول لودريان على المسؤولين، بدءاً من السرايا الحكومية حيث استقبله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وأكد خلال الاجتماع أنه آت الى لبنان لاكمال مهمته، ولن يبدي رأيه قبل استكمال الاتصالات واللقاءات التي سيقوم بها، آملاً في “أن تكون المبادرة التي أعلن عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري بداية مسار الحل”. كما أفيد أنه قال للرئيس بري خلال زيارته الى عين التينة: “ندعم مبادرتكم الحوارية ونقول الحوار ثم الحوار ثم الحوار”.

مواقف لودريان الذي سيستكمل جولته على مختلف القوى كما سيستقبل العديد من النواب في قصر الصنوبر، فسّرها البعض بأنها بمثابة اعلان الاستقالة من المهام الموكلة اليه أو الانسحاب من المبادرة بطريقة لائقة، وبالتالي، رمي الكرة في ملعب اللبنانيين وليس في ملعب الرئيس بري. فيما رأى آخرون أن لودريان من خلال دعمه مبادرة الرئيس بري، وتشديده على الحوار، يحاول ارسال رسالة الى اللبنانيين مفادها أن ليس أمامهم سوى الحوار، وكأنه ينصحهم بالقول: اما الذهاب الى الحوار أو الذهاب الى الصدام والمواجهة السياسية. وربما تكون الزيارة الأخيرة للودريان في ظل حالة الاستعصاء السياسي، والأرجح أنه يضع نقطة على السطر الأخير من مبادرته. والبعض الآخر يقول ان هناك نوعاً من التفاهم والتناغم بين الدعوة التي أطلقها الرئيس بري والمبادرة الفرنسية، وبالتالي، لم تأتِ دعوة رئيس المجلس الى الحوار لتصطدم بالمبادرة الفرنسية بل جاءت مكملة لها، ما يعني أن الحوار يشكل نقطة أو مساحة مشتركة بين المبادرة الفرنسية ودعوة الرئيس بري، وبالتالي، لودريان لا ينعى مبادرته من خلال مواقفه لا بل على العكس يشدد على تمسكه بالحوار.

في هذا السياق، سأل نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي: “ماذا كان يفترض أن يقول لودريان غير دعمه للحوار؟ ماذا يمكن أن ننتظر من لودريان أن يفعل؟ ما هو البديل عن فكرة الحوار؟”، مشيراً الى أن “البلد من دون حوار يعني أنه ذاهب الى القطيعة والانهيار، اذ أنه منذ نشأته قائم على فكرة الحوار، وأصبح مجلس النواب مع الطائف مركز الحوار الوطني المستمر والدائم، ورئيس مجلس النواب يلعب دوراً تقنياً في هذا الحوار بمعنى ترؤس الحوار وادارته، وبالتالي، الكتل البرلمانية لها مطلق الصلاحية والحرية في أن تطرح ما تشاء اما عدم تأييد الحوار فيعني أن المطلوب الذهاب بالبلد الى صراع وانكشاف أمني كبير واصطدامات وانهيارات أمنية وانهيار ما تبقى من مؤسسات”. واستغرب “كيف تناقش مسألة الحوار وفكرته”.

ولفت الى أن “دولاً مثل فرنسا تحترم المؤسسات ورئيس مجلس النواب بالنسبة اليها ليس حالة استطرادية، وعندما يرى الفرنسي أن مضمون الحوار جيد، يحضره الموفد لودريان شخصياً”، معتبراً أن “من نتائج رفض الحوار، قد تذهب الأمور الى اللامكان، لا الشرق ولا الغرب، لا الدول الخمس ولا غيرها، تستطيع أن تغيّر حرفاً واحداً من المسار الطبيعي. أولاً ثم ثانياً ثم ثالثاً، لا بد من اتفاق اللبنانيين على النهج، وأي محاولة لتغليب طرف على طرف آخر عبر الخارج سيؤدي الى انفجار الوضع”.

أضاف الفرزلي: “أنا مقتنع بأن الغاية الرئيسة من تأزيم الواقع الداخلي، وبالكلام عن القضايا الحدودية واتهام اسرائيل بمنطق أن هناك مطارات تُشيّد في لبنان، جرّ البلاد الى مرحلة متقدمة من الحوار حول قضية تثبيت الحدود اللبنانية – الاسرائيلية التي بعدها تنتفي قيمة من يُنتخب ومن لا يُنتخب”.

ورأى الوزير السابق فارس بويز أن “ما صرح به لودريان لا يعني الاعلان عن انتهاء مهمته انما هذه هي مهمته أساساً، أي أن فرنسا ولودريان لا يملكان السلطة والنفوذ اللازمين لفرض مرشح أو التأثير الفعلي على انتخاب الرئيس. مهمة فرنسا هي نوع من الوساطة من أجل حوار يمكن أن يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية. لودريان التقى مع الرئيس بري في نظرية الحوار، ولم يعد لديه الا هذه الوسيلة أي تسهيل ظروف انعقاد الحوار”، معرباً عن اعتقاده أن “لودريان ينذر اللبنانيين بأنه سعى بكل الطرق ولم يوفّق، وليس أمامهم سوى الحوار أو اللاحلّ. ولم تنته مهمة لودريان نهائياً انما انتهت بمعطياتها السابقة اما اذا قرر اللبنانيون التحاور والذهاب نحو الحل، فيمكن حينها عودة فرنسا ولو بلباس آخر أي الوسيط النزيه الذي يسهّل التوافق بين الفرقاء”.

وقال: “كلنا نعلم عند توازن القوى أنه لا بد من حوار يجعل الفرقاء يتوافقون على حلّ مقبول للطرفين، فكيف الحال بالنسبة الى البنان؟ الحوار ضروري ولا بد منه حتى لو سعى كل فريق الى تحسين شروطه””.

وأكد بويز “أننا لم نكن نتوقع منذ البداية نجاحاً في مهمة لودريان، وفرنسا حين لعبت دور الوسيط خلطت بين مصالحها الاقتصادية وطروحها السياسية ما أضعف من دورها. كنت أقول ولا أزال لا ينتهي الموضوع الا بحوار، والحوار في لبنان يحتاج الى وسيط نزيه، وفرنسا حين نقرر التحاور والتوصل الى حل يمكن أن تعود لتلعب دورها كوسيط معنوي شرط أن تلعب دور الوسيط النزيه أو المنزّه عن أي مصلحة خاصة”.

شارك المقال