30 عاماً على “أوسلو”… الشعب الفلسطيني يدفع ثمن كوارثه

عبدالرحمن قنديل

قبل ثلاثين عاماً في 13 أيلول 1993، وقع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين في حديقة البيت الأبيض في واشنطن اتفاق تشكيل “سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي” يعرف بـ”اتفاق أوسلو” الذي مهد لمرحلة جديدة من تاريخ القضية الفلسطينية، ويعتبر أول اتفاق رسمي مباشر بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عرفات.

وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، التزم بموجبها الطرفان بالآتي:

– منظمة التحرير الفلسطينية التزمت على لسان رئيسها ياسر عرفات بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف، وطبقاً لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام الارهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، كما ستأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.

– حكومة إسرائيل قررت على لسان رئيس وزرائها اسحق رابين في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، الاعتراف بالمنظمة باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها.

وينص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني، أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. ونصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

أشار الكاتب الفلسطيني نهاد أبو غوش في حديث لـ “لبنان الكبير” إلى أن “إتفاق أوسلو أتى في لحظة ضعف عربية فلسطينية وبالتزامن مع إنهيار الإتحاد السوفياتي الذي كان صديقاً وداعماً للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وكان هذا الاتفاق أحد نتائج حرب الخليج الأولى التي أتى من خلالها الأميركي إلى المنطقة”.

ورأى أن “الحسابات القصيرة النفس أو الذاتية للقيادة الفلسطينية دفعتها الى القبول بهذا الاتفاق كنوع من المقامرة حتى لا تشطب، لأن القيادة في ذلك الوقت كانت معرضة للشطب وذريعتها آنذاك أن القضية الفلسطينية معرضة للشطب، ولكن القضية لا تشطب فهي موجودة طالما أن الشعب الفلسطيني موجود سواء على أرضه أو في الشتات”.

وذكر أبو غوش بأن “القيادة الفلسطينية تعرضت للحصار بعد أن جرى تجفيف كل مصادر الدعم لها وعزلت في تونس وأصبح من الصعب عليها أن تكون مؤثرة وفاعلة هناك، والوضع الفلسطيني الراهن غير مؤاتٍ لها، لهذا السبب جرى نوع من المقامرة بمعنى أن هذا الاتفاق إنتقالي وليس إتفاقاً شاملاً، إنما وضع في إطار إعلان مبادئ للمفاوضات، لكن من دون شك القيادة الفلسطينية وقعت في المصيدة أو الفخ وعلقت فيه منذ ذلك الوقت إلى الآن ولا تستطيع الفكاك منه، لأن كل مستقبلها وحياتها وحياة الشعب الفلسطيني أصبحت رهناً بهذا الاتفاق وخاضعة لاشتراطاته، لذلك جرى تأجيل القضايا الجوهرية كالقدس واللاجئين والاستيطان والمصير النهائي للأراضي المحتلة، بمعنى أن الاتفاق ترك لاسرائيل حرية التصرف في هذا الشأن والقيادة الفلسطينية لا تستطيع أن تفعل شيئاً في المقابل، وهذا الأمر بدا واضحاً منذ السنة الثالثة من الاتفاق”.

ولفت الى أن “الرئيس عرفات حاول أن يتمرد على هذا الاتفاق من خلال مشاركته في إشعال إنتفاضة الأقصى ما أدى إلى عزله ومحاصرته واغتياله في نهاية المطاف”.

وأعرب أبو غوش عن إعتقاده أن “هذا الاتفاق أدى إلى وضع شاذ من خلال ما قدمته إسرائيل من الكثير من المنافع والتسهيلات لشريحة فلسطينية محدودة على حساب القضية الفلسطينية، ما أدى إلى إلتفات هذه الفئة الى مصالحها الشخصية والفئوية، وبالتالي لا تستطيع الهروب من هذا المربع لأن كلفة الخيارات البديلة قاسية ومكلفة بسبب الامتيازات التي وفرها هذا الاتفاق لها”.

وكشف أن “ما زاد الطين بلة هو واقع الانقسام الفلسطيني القائم منذ العام 2007، والذي كانت اسرائيل المستفيدة الكبرى منه لأنها باتت تطعن في شرعية أي هيئة أو قيادة فلسطينية وتدير كل ملف على حدة، بمعنى أن غزة لها مطالبها الخاصة كالوقود والمياه وإدخال البضائع باعتبار أنها تحت الحصار الكامل، ناهيك عن مطالب الضفة والشعب الفلسطيني المنسي في الشتات، على الرغم من إستمرار هذا الشعب في مقاومة الاحتلال وتحدي الواقع”.

وأوضح أن “هذا الاتفاق يريد أن يجعل الفلسطينيين في مكان دون مستوى البشر من دون حقوق سياسية أو مدنية أو حتى فردية على الاطلاق حتى من خلال السفر والانتقال والسكن وحرمان الفلسطينيين من حقوق العبادة في وقت يتضاعف الاستيطان حوالي أربعة أضعاف خلال الفترة الماضية من 170 ألفاً إلى حوالي 850 ألفاً بالاضافة إلى خضوع القدس للتهويد بصورة يومية، وموضوع اللاجئين الذي كاد أن ينسى وإزدياد معدلات الفقر والمأساة الانسانية، كالوضع القائم في قطاع غزة الذي هو غير قابل للحياة”.

وأكد أبو غوش أن “الواقع الفلسطيني لا يزال يدفع حتى الآن ثمن إتفاق أوسلو الذي لم يجلب السلام للشعب الفلسطيني ولا حتى للاسرائيليين كون الاحتلال أصبح خياره الرئيس حل الدولة بصورة كاملة وهذا ينعكس عليه من خلال الوحشية التي يتبعها تجاه الفلسطينيين من العنف الداخلي والكراهية والاحتجاجات التي تجري، لذلك هذا الاتفاق مكن إسرائيل من أن تبرر وجودها وشرعيتها في المنطقة من خلال فتح الأبواب لها للتطبيع وفك العزلة عنها ووضع القضية الفلسطينية في فخ ومصيدة، ولكن بلا شك هذا لن ينهي الصراع لأن معاناة الفلسطينيين لا تزال قائمة والجيل الناشئ لم يعد مضطرّاً الى احترام الاتفاقات أو الالتزام بها والتي تغلق الأبواب أمامه وتحرمه من أي أمل في المستقبل”.

واعتبرت مصادر فلسطينية أن “من السهل الحديث عن اتفاق أوسلو من ناحية سلبياته، فهي كثيرة وكارثية على القضية الفلسطينية وشعبها، وهذه الكوارث التي ندفع ثمنها حتى اليوم، تبدو مفرطة في أذاها السياسي على المدى المستقبلي أيضاً، فمثلاً اتفاق باريس الاقتصادي، كواحد من التبعات للاتفاق الأصلي، هو ما يجعل السلطة الفلسطينية تستجدي الاحتلال في بعض الأحيان للافراج عن أموالها، وأعطى الاحتلال ورقة ضغط يستخدمها على الفلسطينيين متى يشاء وحين يستدعي الوضع السياسي أو الأمني أو غيره”.

ورأت المصادر أن “هذا الاتفاق لم يستطع إيقاف المد الاستيطاني في الضفة الغربية، بل على العكس تمكن هذا السرطان البشري من أن يتمدد وينتشر في الأراضي التي يفترض أن تشكل دولة فلسطين العتيدة. في تفاصيل هذا الاتفاق ومواده الكثير من الألغام التي لم يستطع المفاوض الفلسطيني المناورة فيها، وبالتالي فرضت عليه ورضخ لها، منها قضايا المياه وتوزيعها وهي من الأمور المسكوت عنها، وكذلك قضايا الحل النهائي التي منها القدس، والتي أسقطتها الادارة الأميركية من الحسابات، طبعاً مع حفاظ السلطة الفلسطينية على ثباتها في هذا المجال، بأن لا تنازل عن غربي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. أيضاً ملف اللاجئين، فبعد إنشاء السلطة الفلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية، طغت الأولى على الثانية، وبات تمثيل اللاجئين محل نظر واستفهام، فالمنظمة التي تمثل الكل الفلسطيني، لم يعد رئيسها الذي هو رئيس السلطة الفلسطينية أيضاً يظهر في المنابر الدولية بوصفه رئيساً لمنظمة التحرير، بل كرئيس للسلطة الفلسطينية التي تقتصر سيادتها على الضفة الغربية وقطاع غزة”.

ولفتت المصادر الى أن “أبو عمار لم يكن سوى حالم بفلسطين، يأمل في إنجاز كبير للشعب الفلسطيني، فالرجل وجد نفسه محاطاً بالعديد من المؤامرات، بعدما قرر المجتمع الدولي بتوافق مع الدول الاقليمية إبعاد رجل فلسطين الأول عن حدود فلسطين، فقال قوله الشهير قرب السفينة التي كانت ستقله من بيروت عام ١٩٨٢: أنا ذاهب إلى فلسطين، وبالفعل ذهب بعد حين إلى هناك. ما كان يحيط عرفات ومنظمة التحرير، كان يمكن أن يجعل الكثير ممن يدعون النضال من أجل فلسطين، يركبوا قضيتها، ويقرروا عن شعبها ما يحلو لهم، رفض أبو عمار كل هذا وذهب نحو أوسلو محاولاً تحصيل ما أمكن فأخفق كثيراً، وحين تأكد أن الاسرائيلي ليس شريكاً، ولن يكون، وليس سوى العدو الذي حاربه في الأردن وفي بيروت، أطلق الانتفاضة الثانية ودعم المقاومين من كل الفصائل والقوى الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير وغيرها، وقضى شهيداً”.

شارك المقال