مخيم عين الحلوة… عاصمة الشتات المتفجرة (١)

زياد سامي عيتاني

يحتل مخيم عين الحلوة بصورة دائمة مسرح الأحداث على الساحة اللبنانية، ويحظى بإهتمام سياسي وأمني، نظراً الى الأوضاع الأمنية المتكررة التي يشهدها على الدوام، والاشتباكات بين بعض فصائله المسلحة. فلا يكاد يمر يوم إلا ويشهد المخيم حادثاً أمنياً أو انفجار عبوة ناسفة أو محاولة اغتيال أو اشتباكاً مسلحاً، لا تلبث أن تتحول إلى إشتباكات عنيفة بين الفصائل الملسحة داخله، فيتحول المخيم إلى ساحة صراع بين القوى والفصائل المتصارعة، من دون أن يتمكن أي طرف من السيطرة على المخيم، نظراً الى التعقيدات البالغة في تركيبته الاجتماعية والسياسية والأمنية، وإرتباطها بجهات وأجهزة محلية وخارجية!

المخيم يشكل صورة مصغرة عن الفضاء السياسي الفلسطيني، بحيث يضم جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والتحالف الوطني والقوى الجهادية والاسلامية، التي تتنافس بصورة دائمة على النفوذ والسلطة، الأمر الذي يكلف المخيم صدامات ونزاعات مدمرة، إذ لكل منها مربعها الأمني الخاص بها، لكن حركة “فتح” تعتبر الأقوى نفوذاً وتسليحاً في المخيم بسبب سيطرتها على اللجنة الشعبية التي شكلت من عدة فصائل وهدفها إدارة “القوة الأمنية المشتركة” الرامية الى ضبط الاشكالات الأمنية. وقد برزت خلال السنوات الأخيرة في المخيم أسماء مجموعة من التنظيمات الغامضة في ظروف نشأتها ودوافع تأسيسها وأهدافها، والتي سيطرت أحياناً على مناطق معينة منه. ومن أبرز هذه المجموعات تنظيم “الشباب المسلم” الذي يضم بقايا حركات إسلامية أخرى مثل “جند الشام” و”فتح الاسلام” وعناصر آخرين يدورون في فلك تنظيم “القاعدة”، إضافة إلى تنظيم “أنصار الله” الذي يعتبر قوة داعمة لـ”حزب الله” داخل المخيم منذ العام 1990، و”عصبة الأنصار” التي تعد أكثر هذه التنظيمات تنظيماً وتدريباً وتسليحاً.

كل هذه العوامل، إضافة الى الظروف الحياتية والمعيشية، جعلت من مخيم عين الحلوة ساحة مفتوحة للتوترات والتفجيرات الأمنية، التي لا تخلو من كونها تبادل لرسائل سياسية بين الجهات الداعمة والمحركة للفصائل، يتم توجيهها بالنيران، فيقع المخيم وسكانه ضحية هذه الصراعات بين من يدعي دعمه للقضية الفلسطينية.

وفي ظل إستمرار الاشتباكات العنيفة داخل المخيم، والتي تنذر بعواقب لا يمكن لأحد التنبؤ بتداعياتها، يفتح موقع “لبنان الكبير” على عدة أجزاء، ملف مخيم عين الحلوة على كل الصعد:

نشأة المخيم:

أنشئ المخيم على أرض كانت معسكراً للجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية سنة 1949 بمبادرة من الصليب الأحمر الدولي، ثم انتقل الإشراف عليه إلى “الأونروا” سنة 1950. وعرف مخيم عين الحلوة بهذا الاسم نسبة إلى نبع ماء حلوة كانت موجودة عند مفرق سيروب شرب الناس منها سنين طويلة.

الموقع الجغرافي:

يقع مخيم عين الحلوة على بعد 3 كيلومترات جنوبي شرقي مدينة صيدا، وهو من أكبر من المخيمات في لبنان من حيث السكان والمساحة، بحيث أنه يعد عاصمة الشتات للاجئين الفلسطينيين. يبعد المخيم عن الحدود مع فلسطين المحتلة 67 كيلومتراً، ويلاصقه مخيم المية مية الذي يعتبر امتداداً له، إضافة إلى مخيم “أوزو” الذي يضم أعداداً من المهجرين الفلسطينيين من مخيمات أخرى. وهو أشبه ببيت واحد كبير تنعدم فيه الخصوصية وتشيع المأساة، ويتألف من بيوت متلاصقة جدرانها من الحجر وسقفها من الزنك. وبقيت مساحة المخيم كما هي بحدوده عند نشأته، على الرغم من تضاعف أعداد سكانه مرات عديدة، ويظل الاتساع العمراني فيه يتخذ منحى عمودياً في البناء فقط، لأن لكل مخيم فلسطيني حدوداً تعينها عند تأسيسه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كما أن السلطة اللبنانية تمنع البناء الجديد فيه ولا تسمح إلا بترميم المباني القديمة بحجة منع التوطين. وأي مشروع سكني تقوم به “الأونروا” في المخيم لا بد من أن يكون بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني الذي يحدد حجم كمية مواد البناء (الاسمنت وغيره) المطلوب إدخالها.

الوضع المعيشي:

يعيش في مخيم عين الحلوة نحو 120 ألف لاجئ (54 ألفاً منهم مسجلون رسمياً لدى وكالة “الأونروا”) غالبيتهم جاءت أصلاً عند تشكله من منطقة الجليل الأعلى في فلسطين. ويصل معدل عدد أفراد العائلة فيه خمسة أفراد، أما معدل عدد الغرف في المنزل الواحد فهو ثلاث غرف. ويعيش سكان المخيم ذي الكثافة السكانية المفرطة واقعاً إنسانياً مزرياً ما بين شوارعه الرئيسة القليلة التي لا تكاد تتسع أحياناً لمرور السيارات وأزقته الضيقة التي يتعثر فيها المارة بعضهم ببعض، وبيوته القديمة المتلاصقة التي يشيع فيها التصدع والاهتزاز ما يهددها بالتداعي والانهيار.

ووفقاً لدراسة أصدرتها عام 2010 مؤسسة “شاهد” لحقوق الانسان وتناولت فيها المعطيات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمخيم عين الحلوة، فإن 32% من القاطنين فيه يعني لهم مكانه مصدر قلق وتوتر وعدم شعور بالأمان النفسي والاقتصادي، نظراً الى ظروفهم السكنية والصحية والاقتصادية البالغة التعقيد. وأشارت الدراسة الى أن نسبة الذين ينظرون إلى المخيم على أنه رمز وهوية وانتماء لفلسطين اقتصرت على 26% فقط، بينما يعتبر 28% منهم أن المخيم هو محطة للجوء آخر.

وعلى المستوى التعليمي للمخيم، كشفت الدراسة أن 6% من أفراد عينتها أميون، و4% منهم يلمّون بالقراءة والكتابة، و60% أنهوا صفوف الابتدائي والمتوسط، و13% المستوى الثانوي، و3% جامعيون. يشار إلى أن الخدمات التعليمية في المخيم تعتمد على عدد من المدارس يزيد قليلاً على العشر فيها ثانوية واحدة، وغالبيتها تعمل بنظام دوامين حتى تغطي النقص الحاصل في المرافق التعليمية على الرغم من تأثير هذا النظام سلباً على العملية التربوية.

أما عن الأوضاع الصحية، فتقول الدراسة إن نسبة 61% من الأمراض المنتشرة بين سكان مخيم عين الحلوة هي أمراض ضغط الدم والتنفس، لعدم توافر البيئة الصحية المناسبة وشيوع عوامل الفقر والبطالة والأزقة المعتمة. ويلجأ فلسطينيو مخيم عين الحلوة عادة في علاجهم الطبي إلى مستشفى الهمشري الواقع خارج المخيم في مدينة صيدا المجاورة، أما في المخيم فهناك عيادات تابعة لبعض الفصائل والقوى الفلسطينية إضافة إلى عيادات “الأونروا” وعيادة للهلال الأحمر الفلسطيني.

يعتمد سكان مخيم عين الحلوة على المساعدات التي تقدمها لهم وكالة “الأونروا”، وعلى الدعم الذي توفره السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، إضافة إلى الأعمال التجارية البسيطة. وقد ظهر من خلال دراسة “مؤسسة الشهاب” أن 17% من أفراد عينة الدراسة في المخيم لا يعملون أبداً، وأن معظم الأعمال التي يمارسونها هي أعمال حرف يدوية أو أعمال موسمية. وعلى الرغم من أن اليد العاملة الفلسطينية تعتبر منتجة وفاعلة، فإن عمل الفلسطيني يتم في لبنان بصورة غير معلنة، بحيث لا تسمح القوانين اللبنانية للفلسطينيين بالعمل في المهن الحرة، وهو ما يسد الآفاق أمام المتعلمين منهم ويشكل عقبة رئيسة أمام طموح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

مخيم عين الحلوة… عاصمة الشتات المتفجرة (٢)

شارك المقال