خطوات نحو التحقيق الدولي في إنفجار مرفأ بيروت

جورج حايك
جورج حايك

بعد تعطيل متقطّع للتحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت دام ثلاثة أعوام، لاح في الأفق قبس من نور أتى من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان لإنشاء لجنة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق بشأن قضية انفجار المرفأ. فعرقلة التحقيق باتت فاضحة نتيجة تدخّل السياسيين الذين يحمون بعضهم البعض عبر التدخّل في عمل القضاء، وتحديداً عمل القاضي طارق البيطار الذي استدعى تقريباً المسؤولين أنفسهم الذين استدعاهم سابقاً قاضي التحقيق السابق فادي صوان، لينتهي الأمر في مطلع السنة الجارية بقيام مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بالافراج عن جميع المحتجزين في القضية، مشيراً إلى أن التحقيق متوقف منذ أكثر من عام، واستشهد بالحق في محاكمة سريعة بموجب القانون الدولي.

حتماً تحوّل الأمر إلى نزاع قضائي بين البيطار وعويدات، لكن خلفية موضوع عرقلة التحقيق والعدالة يعود إلى بعض أركان السلطة وخصوصاً بعض الوزراء التابعين لحركة “أمل” وتيار “المردة” وخلفهما “حزب الله” الذي بلغ به الأمر الى تهديد البيطار عبر المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا.

كل ذلك، دفع أهالي ضحايا انفجار المرفأ وبعض الأحزاب السياسية مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” ونواب مستقلين وسياديين و”هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية، و”ليغل أكشن وورلدوايد”، و”المفكرة القانونية”، و”لجنة الحقوقيين الدولية”… الى طلب تحقيق دولي يفضي إلى كشف الحقيقة. ويبدو أن المرجعيات الدولية تأخذ وقتاً طويلاً كي تستجيب للطلبات التي تصل اليها للتحقيق الدولي، وقد جاء طلب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك منذ أيام بإجراء تحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت ليتوّج كل هذه المطالب الحثيثة.

وقال تورك، خلال كلمة له أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه “لم تحصل أي مساءلة” بعد 3 أعوام من انفجار المرفأ الذي أوقع أكثر من 200 قتيل وأكثر من 7 آلاف مصاب، لافتاً إلى وجوب تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق للنظر في “الانتهاكات لحقوق الإنسان المرتبطة بهذه المأساة” في ظل الحديث عن “تدخلات في التحقيق، على خلفية أزمة اقتصادية واجتماعية حادّة وحوكمة ضعيفة”.

ويعود وليم نون أحد أهالي الضحايا إلى مسيرة طويلة من النضال بهدف الوصول إلى تحقيق دولي: “استبشرنا خيراً بدعوة تورك الى تحقيق دولي، وجاءت بعدما سعينا كثيراً كأهالي من أجل هذه الخطوة، وبحسب الدستور اللبناني والمعاهدات الدولية يمكن لنواب الأمة مطالبة الهيئات الأممية بتحقيق دولي، وقد أعدّ الأهالي عريضة نيابية وقّع عليها ما لا يقل عن 70 نائباً، وقد رفعناها إلى الأمم المتحدة، وهذا ما جعل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يتحرّك في هذا المجال”.

من جهته، يؤكد مصدر حقوقي أن المطالبة الصادرة عن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان ترسم مساراً جديداً بل فسحة أمل، لكن الأكيد أنها لم تنضج بعد وكل المؤشرات تؤكّد أنها بطيئة جداً، مشيراً إلى أن” تأخير صدور قرار بتشكيل لجنة تقصي حقائق قد يؤدي إلى اختفاء أدلة – هذا إذا كانت هناك ثمة أدلة بعد!”.

لذلك، سارع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى تلقّف الخطوة الأممية فأشاد بها، متمنياً “أن يوضع موقف مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك موضع التنفيذ الفعلي والسريع إظهاراً للحقيقة وتحقيقاً للعدالة والمحاسبة وقطعاً للطريق على التسويف المتواصل”.

في هذا الأطار، يرى رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات” الوزير السابق ريشار قيومجيان أن “التوقيت مهم جداً، وربما تستغرق الأمور 4 أو 5 أسابيع ليتبلور الموقف ونرى خطوات عملية، إلا أن ايجابيات الموضوع أنه أصبح لدينا موقف نعتمد عليه لمتابعة الأمر مع الأمين العام للأمم المتحدة، وسنسعى كتكتل الجمهورية القوية في المجلس النيابي الى إستكمال المساعي الدولية من أجل انشاء هذه اللجنة”.

أما المصدر الحقوقي، فيوضح أن “الأمر ليس بهذه السهولة ويمكن أن يكون لدى بعض الدول حق الفيتو، وحتى الآن لا تبدو فرنسا متحمّسة لتدويل القضية وكل المؤشرات تدل على أن هناك افادة من تأخير صدور القرار لا بل هناك ضغط كبير لعرقلة انشاء لجنة تقصي حقائق دولية من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون”.

ويلفت المصدر الى أن التصويت على قرار انشاء لجنة تقصي حقائق دولية يجب أن تتولاه إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، متسائلاً: “أي دولة ستتطوّع لمثل هذه المبادرة؟”.

لذلك يطمئن قيومجيان الى أن جهود أهالي الضحايا وتكتل “الجمهورية القوية” والمنظمات الحقوقية والمعنية بحقوق الإنسان يجب أن تتكامل للإستمرار في الدفع نحو التأثير على إحدى الدول النافذة في مجلس الأمن كي تتبنى الدعوة الى إنعقاد مجلس الأمن بهدف التصويت على قرار انشاء لجنة تقصي حقائق، علماً أن هناك أكثر من دولة تضرر رعاياها من الانفجار نذكر منها: أستراليا، بنغلاديش، كندا، مصر، ألمانيا، باكستان، فلسطين والولايات المتحدة، وهذه فرصة أخرى للدعوة إلى الحقيقة والعدالة والوقوف مع عائلات الضحايا.

ويضيف قيومجيان: “إذا توصّلنا إلى هذه الخطوة فستكون داعمة لعمل قاضي التحقيق طارق البيطار، علماً أن الدولة اللبنانية حتى ولو لم تتعاون يمكن للجنة تقصي الحقائق متابعة عملها واستجماع المعطيات”.

أما نون فيعتبر الخطوة الدولية ضرورية لأنها ستلزم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله الذي كلّفه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بمهمة الاستماع إلى القاضي البيطار في الادّعاء المقام في وجهه من االقاضي عويدات، حتى يبتّ بموضوعه، ما قد يعزز مشروعيّة الاجتهاد الذي إرتكز عليه البيطار من أجل تخطي طلبات الردّ في حقه.

ويقول نون: “ان هناك جهة تحاول أن تعرقل اصدار القرار الظني، لذلك لجنة الاستقصاء الدولية ستساعد على تحقيق هذا الأمر”.

ويختم قيومجيان: “بمجرد تشكيل لجنة استقصاء دولية هذا يعني أن القضية لم تمت، ويمكن أن نصل إلى المحاسبة، وهذا سيقض مضجع المسؤولين عن هذه الجريمة الشنعاء!”.

شارك المقال