ما بعد 15 أيلول

عاصم عبد الرحمن

ها هو المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يعود بمحاولات اختراقية شبه أخيرة في جدار الأزمة السياسية المستفحلة على وقع انقسام سياسي لبناني حول دعوة الرئيس نبيه بري الحوارية والتي تترافق مع التحركات الفرنسية الداعمة لهذا التوجه. وحده الثنائي الشيعي ومَنْ يدورون في فلكه يؤيدون هذا الطرح ظناً منهم أنه سيقود إلى انتخاب مرشحهم الأول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، في مقابل القوى الرافضة بشدة لمبدأ الحوار الذي يراد له باعتقادهم أن يقوم مقام الدستور الواضح في ما يتعلق بانتخاب الرئيس تحت قبة البرلمان قبل أي اتفاق مسبق من شأنه أن يكرّس أعرافاً سياسية أو دستورية طبقاً لمصالح فئوية آنية.

على خط موازٍ يسير حوار “حزب الله” – “التيار الوطني الحر” ببطء شديد لغايات في نفس الطرفين، الأول وهو الحزب الذي لا يزال راغباً في استمرار العلاقة مع التيار لتأمين غطاء مسيحي واسع بالإضافة إلى عدم تسرب التيار إلى خيارات سياسية أخرى كما حصل إبان مناورته في التقاطع مع المعارضة على ترشيح جهاد أزعور ودعمه، كذلك يطمح من خلال حواره مع التيار إلى تأمين انتخاب المرشح الرئاسي الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها سليمان فرنجية. الثاني وهو التيار الذي عاد إلى مربعه السياسي الأول أي ميدان تفاهم مار مخايل إيماناً منه بأن مصالحه لن تتحقق إلا هناك، وفي طريقه إلى إيجاد مخارج قبوله بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية حفظاً لماء وجهه أمام جمهوره السياسي وشارعه المسيحي يحمل معه لواء اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الإئتماني للعائدات النفطية كانتصار للقضية المسيحية ليس في لبنان وحسب إنما في المشرق ككل.

في هذا السياق، علم “لبنان الكبير” من مصادر سياسية مطلعة أن جبران باسيل يسلك خطين حواريين متوازيين، الأول مع “حزب الله” والثاني مع القطريين الذين جاهروا منذ بداية دخولهم اللجنة الخماسية الدولية الرامية إلى إنهاء الشغور الرئاسي بدعم قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، وهم يفاوضون باسيل على دعم خيارهم في مقابل مساعدته في توكيل مكتب قانوني في الولايات المتحدة لإطلاق مسار قانوني هادف إلى رفع العقوبات الأميركية عنه، والحزب لا يمانع هذه المفاوضات على اعتبار أنه في حال أفضت إلى قبول باسيل بعون فهو ليس بعيداً من هذا الخيار الذي ترجمه مؤخراً بلقاء سياسي رئاسي صريح للمرة الأولى بين الفريقين.

وتضيف المصادر نفسها عبر “لبنان الكبير”: “ان القطريين سيتحركون في أواخر أيلول لترجمة رغبتهم في حل الأزمة الرئاسية في لبنان مدفوعين بدعم سعودي ورغبة مصرية ومباركة أميركية ورفض لبناني مسيحي للدور الفرنسي غير المعهود على العكس من القطري الذي يُعوّل عليه نظراً الى تجربة الدوحة عام 2008 والأهم إمكان تواصلهم مع الفرقاء الداخليين والخارجيين كافة كما قدرتهم على جمع الأضداد مهما اشتدت الخلافات والاختلافات السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، ولهذه الغاية سيوجهون دعوات إلى القادة اللبنانيين للتوجه إلى قطر والجلوس حول ما يشبه دوحة 2”.

قد تكون مهمة الموفد الفرنسي الرئاسية محاولة أخيرة في لبننة الاستحقاق الرئاسي أو إتمامه على الأرض اللبنانية عبر تقديم ضمانات أو تطمينات إلى رافضي الحوار ما قبل الانتخاب حول عقد جلسات انتخابية بدورات متتالية مع التزام كتلَتَيْ الثنائي الشيعي “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” بعدم مغادرة قاعة المجلس النيابي، وقد تدعم السعودية هذا التوجه كي لا تتهم بعرقلة هذه المبادرة عبر الإيحاء إلى النواب السُنَّة بعدم المشاركة في الحوار تماماً كما رفعت عنها تهمة وضع فيتو رئاسي على ترشيح سليمان فرنجية من خلال استقباله في منزل السفير وليد بخاري. ونجاح هذه المحاولة يبدو مستبعداً نظراً الى عدم تمكن القوى السياسية من عقد الصفقات المصلحية والسمسرات السلطوية مع أي من المرشحين الذي قد يُعلن فوزه في إحدى الجلسات المفتوحة المطروحة على طاولة بري – لودريان الحوارية على حين غفلة من السياسيين، وبناءً على ما تقدم تتاح الفرصة وبلا أدنى عائق أمام الدور القطري الذي سيكون بمثابة القشة التي يتمسك بها الغريق، ولكن في حال انعقاد طاولة “دوحة 2” هل سيتم الاكتفاء بحل الأزمة الرئاسية وتنتهي بالاتفاق على انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية أم أن تعديلات دستورية تطاول بعض المواد الخلافية في الطائف ستطرح على بساط البحث القطري كما حصل في “دوحة 1” عام 2008؟

شارك المقال