عودة “التشاؤل”

صلاح تقي الدين

كثيفة كانت الحركة التي شهدتها الساحة السياسية خلال الأيام الماضية نتيجة وجود المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، واللقاء السني الجامع الذي شهدته دارة السفير السعودي وليد بخاري في اليرزة، ناهيك عن اللقاءات ذات الطابع النيابي التي تنوعت من الشمال إلى البقاع وبيروت، لكن النتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها من كل هذا الحراك، هي أن المعضلة الرئاسية لا تزال على حالها، لكن مشوبة بموجة من التفاؤل المصحوب بمقدار من التشاؤم، ما يعني عودة “التشاؤل” الذي كان عبّر عنه مصدر نيابي لكاتب هذه الأسطر.

وكان لودريان غادر كما أتى خالي الوفاض ولم تحقق زيارته المبتغى منها في دفع القيادات السياسية إلى القبول بالمبادرة التي أطلقتها فرنسا بانتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مقابل اختيار رئيس للحكومة من الفريق المعارض، لا بل تحدثت معلومات عن سقوط هذه المبادرة نهائياً، أي سقوط ورقة فرنجية معها.

وما زاد الطين بلة هو التصريح “غير الديبلوماسي” الذي أطلقه لودريان بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري عبر تبنيه دعوة رئيس حركة “أمل” للحوار، الأمر الذي يسجل من وجهة نظر المعارضة تعدياً على الدستور و”فذلكة” غير مقبولة، وفقاً للمصدر النيابي، كما إنه يسجل عرفاً غير مقبول إذ لا يجوز أن نكون كل ست سنوات أمام وضع يدعو النواب والقيادات السياسية إلى جلسة حوار للقيام بواجبهم الدستوري، ناهيك عن احتمال اعتماد هذا النهج لدى تسمية رئيس للحكومة، أو تعيين أي موظف من الفئة الأولى.

غير أن رفض المعارضة للحوار، والتردد الذي بدا على البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي كان قبل بالحوار في إحدى عظاته الأسبوعية ثم تراجع عنه بحجة أنه لا يجوز، يعود بمشكلة انتخاب رئيس للجمهورية إلى المربع الأول وبالتالي استمرار الفراغ وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة وربما في هذه الحالة يكون وصف “التهديد الوجودي” صحيحاً أكثر من مخاطر النزوح السوري.

لكن الحراك المنتظر خارجياً وتحديداً في نيويورك على هامش انعقاد الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أشاع نوعاً من التفاؤل بقرب وصول كلمة السر من الخارج، وهو ما دأب عليه سياسيو لبنان الذين لطالما سلّموا أمرهم وقرارهم إلى جهات خارجية لكي تقرر عنهم ما يفترض أنه واجبهم.

وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي توجه إلى نيويورك للمناسبة الأممية، يعوّل كثيراً على اللقاءات التي سيتاح له عقدها وخصوصاً مع مندوبي الخماسية، فلعلّه يأتي بالخبر اليقين أو على الأقل يكون في صورة ما سيؤول إليه مصير الانتخابات الرئاسية لكي يبني على الشيئ مقتضاه في ما يتعلق بكيفية “تصريف” ما تبقى من أعمال أمام حكومته والبت بالمواضيع العالقة خصوصاً الفراغ الذي يلوح برأسه في المؤسسة العسكرية.

في المقابل، فإن موقف الثنائي الشيعي لا يزال على ما كان عليه منذ إعلان الرئيس بري ترشيح فرنجية للرئاسة، اذ ان رئيس تيار “المردة” بقي المرشح الوحيد للثنائي، على الرغم من إدراك “حزب الله” والرئيس بري على السواء عدم إمكان تأمين الأكثرية اللازمة لإيصال مرشحهما، لكنهما في الدعوة إلى الحوار مراراً وتكراراً يفتحان باباً من الأمل أمام احتمال تراجعهما عن هذا التأييد غير المشروط، أو حتى البحث في مرشح ثالث لا يشكل هاجساً أمامهما ولا يكون مناوئاً لهما بصورة فاقعة.

ولاحت بعض الآمال أمام هذا الاحتمال تمثلت في اللقاء الذي تم تسريب حدوثه بين رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزيف عون، كما اللقاء الذي عقده رعد مع فرنجية، بحيث اعتبر المصدر النيابي أن هذين اللقاءين هما رسالة واضحة إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، لكنه يشكل أيضاً احتمالاً للبحث في كيفية رسم انسحاب لائق لفرنجية من السباق الرئاسي.

يبقى أن الحديث عن ارتفاع أسهم قائد الجيش قد يكون صحيحاً إذا كان عون هو المرشح الثالث الذي تضغط القوى الخارجية لاعتماده، إلا أنه في حال لم يتراجع فرنجية عن ترشيحه، ولم يرضَ الثنائي الشيعي بعون، فإن البحث عن رئيس سيستمر وربما ندخل العام الجديد والفراغ مالئ الدنيا وشاغل الناس.

بين التفاؤل الحذر الذي لاح نتيجة الحراك الدولي، والتشاؤم الذي يعتري قوى المعارضة نتيجة رفضها للحوار ورفض وصول فرنجية إلى بعبدا، يعتبر المصدر النيابي أن “التشاؤل” هو المصطلح الذي يمكن اعتماده في هذه الفترة بانتظار أمر كان مفعولاً.

شارك المقال