اجتماعات “الخماسية”… مسار سياسي يتخطى الخلافات

هيام طوق
هيام طوق

عقدت اللجنة الخماسية اجتماعين في مقر بعثة فرنسا الدائمة لدى الأمم المتحدة من أجل التباحث في الشأن اللبناني، وبغض النظر عن نتائج اجتماع الامس، فإن الاجتماع الأول الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة من الوقت، كان كافياً للشك في إمكان التوافق بين أعضاء “الخماسية”، اذ تصاعد الدخان الأسود بدل الأبيض الذي كان ينتظره اللبنانيون من المقرات الأممية ومن الدول المهتمة بالشأن اللبناني بعد أن ظهرت جلياً التناقضات بين ممثليها الذين كانوا على مستوى سفراء ومستشارين وكبار الموظفين وليس على مستوى وزراء الخارجية كما كانت تطالب فرنسا. وعدم صدور بيان عن الاجتماع الأول بعد أربعة أيام من عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان من جولته الثالثة في لبنان يعكس معالم إخفاق وتعثر تطارد واقع الدول المعنية بالأزمة الرئاسية أسوة بالقوى السياسية في الداخل. لكن على الرغم ذلك من، فإن كثيرين يقولون ان الخلاف بين أعضاء اللجنة واضح منذ البداية، ولو لم يكن هناك خلاف بينهم لكان الاستحقاق الرئاسي سار في مساره الصحيح منذ أشهر. هناك اختلاف في وجهات النظر وفي مقاربة الملف الرئاسي بين الأميركيين والفرنسيين، وما يحصل في اجتماعات “الخماسية” في نيويورك أمر طبيعي وفق ما قال أحد المتابعين لموقع “لبنان الكبير”.

وفيما بدا الأفق الخارجي كما الداخلي مقفلاً خصوصاً أن اللبناني الذي يعاني من كل أنواع العذاب، يتمسك كالغريق بقشة، فإن أحد السياسيين المتابعين لما يجري في نيويورك، أشار الى أن اللجنة الخماسية ستعود في نهاية المطاف، الى ثوابت اجتماع باريس وبيان الدوحة، وأميركا واضحة في خياراتها أي تريد رئيساً للجمهورية يتواصل مع الجميع وحكومة ليست لديها سوابق في الفساد، أي عدنا الى الموقف الأميركي – السعودي الذي يريد رئيساً يتحلى بـ3 مواصفات: أولاً، غير فاسد. ثانياً، ليس طرفاً سياسياً. ثالثا، يمكن أن يكون جزءاً من الاصلاح الاقتصادي.

وعلى الرغم من أن المتابعين للشؤون الدولية، يشددون على أنه لا يجوز التسرع في الحكم على فشل اللجنة الخماسية أو نجاحها، كما لا يجوز في السياسة الجزم بالسلبية أو الايجابية بمعنى أن النقاش والحوار والتواصل تستمر بين الدول مهما بلغ الخلاف بينها، وكل تباين أو خلاف يمكن أن يتحول سريعاً الى تقارب واتفاق، والعكس صحيح، كل تفاهم عرضة للانتكاسة، فإن المعطيات تتحدث عن خلاف أميركي – فرنسي حول الخطوات التالية لحمل اللبنانيين ينتخبون رئيساً للجمهورية، وتجلى ذلك في موقف مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف التي خاطبت مديرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية آن غيغان، قائلة: “يجب أن يكون هناك وقت محدّد للمبادرة الفرنسية، ولا يمكن أن تستمر لفترة زمنية طويلة، وبالتالي، يجب تحديد الوقت أو اتخاذ إجراءات في حق المعرقلين”.

ووسط معلومات تشير الى أن قطر ستتولى بذل جهود جديدة في الآتي من الأيام في محاولة للتوفيق بين مواقف الدول الخمس، يبدو أن عدوى الفيروس الخلافي بين اللبنانيين انتقل الى أعضاء الدول المعنية بالملف الرئاسي، وبدل أن يلعبوا دور الوسيط بين القوى في الداخل، باتوا في حاجة الى وسيط ليردم هوة الخلافات بينهم. وبالتالي، المؤشرات تدل على عدم تحقيق أي ثغرة في الجدار الرئاسي المقفل حتى إشعار آخر. وما قاله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن لبنان في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين حذر من الخطر الذي يهدد مؤسسات الدولة، داعياً الى حلول سريعة تنقذ البلاد من الأزمة، بالاضافة الى دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، القوى السياسية اللبنانية الى تلبية دعوة رئيس البرلمان نبيه بري لحوار محدود بسقف 7 أيام، تعقبه جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، واصفاً إياها بأنها مخرج للجميع، من دون أن ننسى ارجاء مهمة الموفد القطري الى بيروت، كلها معطيات تؤكد أن العقبات التي تحول دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي لا تزال كبيرة وكثيرة.

انطلاقاً من هذه الوقائع، هل يمكن القول ان دور اللجنة الخماسية تزعزع أو فقد اللبنانيون ثقتهم به؟ وهل تطيح أميركا مهمة لودريان الذي يُتوقع أن يعود إلى بيروت الشهرَ المقبل، لكنه غير “مسلح” ببيان “خماسي” موحّد على غرار ذلك الذي حمله بعد لقاء الدوحة في تموز الماضي؟ وهل سيكون الحراك القطري المقبل، الخرطوشة الأخيرة وإلا العودة الى المربع الأول أو الى نقطة الصفر، وبالتالي، تشرّع الأبواب على كل أنواع المخاطر؟

رأى أحد السياسيين المخضرمين أنه “لا يمكن القول ان دور اللجنة الخماسية انتهى لأن الاجتماعات ستتواصل، ولا يمكن الحكم على دورها من اجتماع نيويورك الأول، فلننتظر الاجتماعات التالية إن كان على المستوى الرسمي أو على مستوى اللقاءات الجانبية، وربما ما يُسرّب من أجواء سلبية ليس دقيقاً. ما هو أكيد أن انتخاب الرئيس في لبنان يتطلب تفاهماً ايرانياً – أميركياً كما حصل مع اليمن”.

وشدد على وجوب “عدم التسرع في الحكم لأنه في السياسة والتفاوض بين الدول ليست هناك من خرطوشة أخيرة، والتواصل بين قادة العالم لا يتوقف مهما اشتدت الخلافات بينهم، وتبادل الأسرى بين أميركا وايران خير دليل اذ بدأ النقاش في المسألة منذ 2021، واليوم أفرج عنهم ما يعني أن التعثر لا يعني التوقف عن المساعي”، وقال: “أنا من القائلين ان تشرين الأول هو شهر البت الرئاسي، وليس مستبعداً أن نرى رئيساً للجمهورية خلال هذا الشهر”.

واعتبر مصدر مطلع أن “الأمور في المنطقة لم تنضج بعد، وهناك خطوات طويلة أمام التسوية الكبرى التي تنعكس على الملف اللبناني فيما الداخل عاجز كلياً”، مشيراً الى أن “أميركا تعتبر اليوم أن لودريان لم ينجح في مسعاه وفي مقاربته للملف الرئاسي، فيما الفرنسي مقتنع بأنه من خلال دمج مبادرته مع الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري يمكن أن يصل الى نتيجة”.

وأوضح أن “التعويل على دور الموفد القطري نظراً الى علاقاته الجيدة مع كل الأطراف، لكن لا يمكن القول انه سيحقق خرقاً أكيداً. وبالتالي، الطبخة الرئاسية لم تنضج بعد على الرغم من قناعة الجميع بأن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من هدر الوقت”.

شارك المقال