هل كانت زيارة لورديان وداعية؟

زياد سامي عيتاني

غادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان بيروت، خالي الوفاض كما كان متوقعاً، بعدما أدرك كما رئيسه، فشل السياسة الفرنسية التي إعتمدت لحل الأزمة الرئاسية على قاعدة ثنائية “فرنجية – سلام”، أي مقايضة قبول فريق المعارضة برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية (مرشح الثنائي الشيعي) رئيساً للجمهورية، مقابل موافقة فريق الممانعة على السفير نواف سلام رئيساً للحكومة، في ظل تشبث الفريقين بموقفهما في الاستمرار بتبني كل منهما لمرشحهما.

وعلى الرغم من أن الادارة الفرنسية بادرت إلى تأسيس اللجنة الخماسية لمعالجة الأزمة اللبنانية، فإن حركتها الديبلوماسية هدفت الى تسويق مبادرتها الخاصة، بعيداً من ثوابت الدول الأعضاء في اللجنة ومواقفها، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، التي كانت ولا تزال متمسكة بمواصفات الرئيس والالتزام بالدستور كممر إلزامي لانتخابه وبرنامج عمله وتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والالتزام باتفاق الطائف. وباتت الادارة الفرنسية عاجزة عن ابتكار أي تسوية، في ظل ثبات الأطراف المحلية على مواقفها المتضاربة، إذ يقرأ كل طرف المشهد الراهن من وجهة نظره ومن زاوية مصالحه.

كذلك، استفاقت الادارة الفرنسية ولو متأخرة، على أن الكلمة الفصل في هذا السياق تبقى للأميركي والسعودي اللذين يقاربان المشهد في لبنان بلغة واحدة وموقف موحد، خصوصاً مع تماهي الموقف القطري معهما، في وقت دخلت فيه الدوحة بقوة على خط المعالجة، مستفيدة من علاقاتها الديبلوماسية مع عواصم القرار المؤثرة في الوضع اللبناني وفي مقدمها إيران. وعليه، فإن باريس في أعقاب فشل مبعوثها إلى لبنان، راهنت على إجتماع اللجنة الخماسية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خصوصاً مع بروز معلومات حينها، أن هناك توجهاً فرنسياً جديداً قد يتظهر خلال إجتماع نيويورك، من خلال طرح جديد، يستند الى خيار العمل على إقناع الفرقاء اللبنانيين بتبني شخصية توافقية للرئاسة. إلا أنه وخلافاً لما تم تسريبه من معلومات، فإن الموقف الفرنسي خلال اجتماع اللجنة الخماسية لم يحمل أي جديد، بل بقي في إطار المراوحة، الأمر الذي تسبب بتباينات عميقة في وجهات النظر خلال الاجتماع، لا سيما بين الولايات المتحدة والسعودية وقطر من جهة وفرنسا من جهة أخرى. وقد برز هذا الخلاف، عندما طرح المندوب القطري إتجاه بلاده الى دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، (وهو ما يحظى بتأييد ممثلي الولايات المتحدة ومصر والسعودية)، غير أن الطرح قوبل برفض فرنسي، بذريعة أن “حزب الله” لا يؤيد هذا الخيار، ما أثار حفيظة المجتمعين، الذين أبدوا إستياءهم من الأداء الفرنسي.

وما زاد من الاعتقاد بفشل إجتماع اللجنة الخماسية، أو في حد أدنى “تعثره”، عدم صدور بيان عنه، على غرار بيان الدوحة، ما يؤكد وجود فجوة كبيرة وتباينات بين الأعضاء حول مقاربتهم للأزمة اللبنانية، فيما ذهبت مصادر مطلعة إلى أبعد من ذلك، بأن لبنان ليس من الأولويات في التسوية التي يجري العمل عليها في المنطقة، حيث أن ملفي اليمن وسوريا يحتلان واجهة الاهتمامات، وبالتالي فإن لبنان يبقى معلقاً على لائحة الشغور الرئاسي حتى تنضج التفاهمات الكبرى على القضايا الأكثر إلحاحاً، لا سيما بعد إخفاق الديبلوماسية الفرنسية في تحقيق أي تقدم، وإستياء أعضاء اللجنة الخماسية من أدائها!

أمام هذه التطورات، التي يخشى معها أن تنعكس لبنانياً مزيداً من التأزم السياسي والتدهور الاقتصادي والمخاوف الأمنية (ما حصل ليل أول من أمس مؤشر لها)، هل يمكن إعتبار أن المبادرة الفرنسية وصلت إلى “التقاعد”، وأن زيارة لورديان الأخيرة، كانت “وداعية”، مع الاندفاعة القطرية الجديدة، التي تحظى بغطاء ودعم من بقية أعضاء اللجنة الخماسية؟

شارك المقال