الرئاسة بين الانسداد الداخلي والخلاف الخارجي… أفق مسدود

هيام طوق
هيام طوق

منذ ما يقارب السنة يعيش اللبنانيون على أمل انتخاب رئيس للجمهورية عله يضع البلد على سكة الانقاذ، بعد سنوات من الأزمات المتتالية، ولكن على الرغم من اللقاءات والنقاشات والمبادرات بين الداخل والخارج، والجلسات الانتخابية المتعددة التي وصفت بالهزلية، فإن الاستحقاق الرئاسي لا يزال يدور في حلقة مفرغة، وعقده المتعددة على حالها، والقوى السياسية عند مواقفها وسط تخوف من خطر حقيقي يهدد الكيان والدولة والمؤسسات.

وما يزيد الطين بلة، خيبة الأمل من الاجتماعات واللقاءات التي تحصل بين أعضاء اللجنة الخماسية على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، التي كان يُتوقع منها إيجاد مخرج رئاسي ما أو خريطة طريق أو أقله إصدار بيان حازم وجازم لناحية حَث اللبنانيين على التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية أو يحدد ماهية الحلّ أو يوضح صراحة ما اذا كانت مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي من المنتظر أن يزور لبنان قريباً، لا تزال تحظى بتغطيتها ودعمها وسط تسريبات تتحدث عن خلافات كبرى بين أعضائها.

على أي حال، القراءات والتحليلات كثيرة ومتناقضة إذ هناك من يقول ان انتخاب الرئيس اللبناني لا يمكن أن يحصل الا بتسوية اقليمية ودولية، والتاريخ شاهد على ذلك، وان طبخة التسوية في المنطقة لم تنضج بعد لتنعكس على الملفات في الداخل. فيما هناك من يؤكد أن العالم لو اجتمع بأسره، وتدخل كل قادة الدول المعنية بالشأن اللبناني وغير المعنية، فليس من الممكن ملء الشغور الرئاسي اذا لم يتوافق اللبنانيون في ما بينهم على اسم لايصاله الى قصر بعبدا.

وبغض النظر عن الخلافات بين الأطراف حول الحوار أو النقاش أو التشاور أو المسار الرئاسي الذي يجب سلوكه، وبعيداً من التكهنات التي تشير الى تراجع الدور الفرنسي لصالح الدور القطري، وبعيداً من بورصة الأسماء، ومن القراءات التي تعتبر أنه اذا لم ينتخب الرئيس من اليوم الى آخر السنة الجارية على أبعد تقدير، فسيدوم الشغور الى الانتخابات النيابية المقبلة، فإن التساؤل اليوم: ما الهدف أو الرسالة من رمي الكرة مجدداً في الملعب اللبناني أي في حقل فشلت فيه كل المحاولات السابقة بسبب النكايات والرؤى المتصادمة والموانع التي تحكم مقاربة الملف الرئاسي؟ وبعد الخيبة من اللجنة الخماسية، هل يمكن القول ان على اللبنانيين أن “يقلّعوا شوكهم بأيديهم” انطلاقاً من القول ان “من يده في الماء ليس كمن يده في النار” قبل الوصول الى نقطة اللاعودة والارتطام الكبير أو أن لبنان عاجز عن انجاز استحقاقاته الدستورية من دون وساطة خارجية يدفع ثمنها باهظاً البلد وأهله لأن انتظار التسويات ربما يطول أكثر من القدرة على التحمل؟

رأى مصدر سياسي أن “لا دور للخماسية في الملف اللبناني الا اذا اكتمل هلالها بانضمام روسيا وايران، وطالما أن الأخيرة تلعب دوراً بارزاً في لبنان، وغير موجودة على طاولة الخماسية، فكل البحث والنقاش تضييع للوقت وايهام اللبنانيين بأن هناك خارجاً يمكن الاعتماد عليه. وحتى الآن نرى أن العديد من هذه الاجتماعات لم تسفر الا عن بيانات هي نوع من النصح والارشاد من دون أي خطوات عملية. بطبيعة الحال، لا يمكن التنكر للخطوات الديبلوماسية الفاعلة، واذا كان هناك من تنسيق بين هذه السباعية على مبادرة ما فربما تكون هناك احتمالات لايجاد سقف خارجي لانقاذ الشغور من الطريق المجهول، لكن طالما ايران وروسيا خارج اصطفافات اللجنة الخماسية، فسنستمر في الحلقة المفرغة الى ما شاء الله”.

وأكد أن “لبنان ملف من بين الملفات الخلافية بين الخماسية، فكل طرف له ملفات شائكة مع الطرف الآخر، ولا يمكن أن يكون هناك تفاهم حول لبنان وخلاف حول ملفات أخرى أكثر حيوية لمصالح هذه الدول. ولنسلم جدلاً أن الخماسية اتفقت على مبادرة معينة، هل تستطيع أن تضع هذه المبادرة موضع التنفيذ من دون موافقة ايران أولاً ومن ثم روسيا؟ وكيف يمكن أن تكون هناك أدوار لهذه الخماسية في ظل الصراع الأوكراني القائم بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى؟ كل هذه الملفات تنعكس على الوضع اللبناني. لذلك، اذا كان هناك من مخرج فلا بد من تفاهم داخلي أو تسوية داخلية، لكن الأفق الداخلي مسدود، والأزمة مفتوحة على مصراعيها”.

أضاف المصدر: “عندما يكون هناك توافق وطني في أي دولة، فهذا التوافق يجعل السيادة منيعة، ويحول دون الاتكال على الخارج، لكن نحن أمام 19 طائفة أي 19 دولة، وكل طائفة لها مرجعيتها الخارجية بشكل أو بآخر، وطالما أن القادة اللبنانيين غير قادرين على الحوار والتفاهم، فالكل يراهن على الخارج، لكن الخارج له أولوياته وملفاته. اذاً، المأزق داخلي بعدم وجود رغبة في ايجاد مخرج، وهناك الاستحالة الخارجية التي لا يمكن الاعتماد عليها في ظل الخلافات في ما بينها. وبالتالي، في ظل غياب التوافق الداخلي والخارجي على ايجاد التسوية، فنحن أمام فراغ طويل”.

وأشارت أوساط مطلعة الى أن “اللجنة الخماسية لا يمكنها أن تحقق ما لا يريده المسؤولون في لبنان. الأكيد أن الخارج يلعب دوراً أساسياً في الاستحقاق الرئاسي، لكن يجب أن يترافق مع رغبة وإرادة داخلية، وهذا غير متوافر عند القوى السياسية”، مشددة على أن “اللجنة الخماسية تقوم بواجباتها وبدورها وبما هو مطلوب منها، لكن اللبنانيين يتكلون على الخارج، ويرمون المسؤولية على هذه الدولة أو تلك لأنهم ببساطة لا يرغبون في انتخاب الرئيس، والكل ينتظر الصفقات والثمن”.

ولفتت الى أن “التقاطع بين الظروف الداخلية والخارجية هو الذي ينتج رئيساً للجمهورية اذ لا يمكن تحميل المسؤولية للخارج لأن الداخل هو المعني أولاً وأخيراً بالاستحقاقات الدستورية، وشهدنا عبر التاريخ معادلات لبنانية صرف أدّت الى انتخاب رئيس للجمهورية، وهناك رؤساء ربحوا بعد دورات متتالية وبفارق ضئيل، وهذه هي الديموقراطية أي أن يكون هناك رابح وخاسر، لكن للأسف تعودنا على الاجماع وعلى مسار الأنظمة الديكتاتورية”.

شارك المقال