انتخابات افتاء مبكرة في جبل لبنان

حسين زياد منصور

أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، وإن كانت في مختلف المناطق هادئة، وفي بيروت العمل جار على لائحة توافقية تضم الجميع بمعايير أبرزها ألا يكونوا تابعين سياسياً لأي جهة، وأن يكونوا مميزين وعلى قدر ودرجات عالية من المعرفة والعلم والاطلاع.

في جبل لبنان يظن البعض أن الانتخابات ستكون هادئة، وأن المقعدين معروف من سيحسمهما، ولكن على العكس، الكلام شيئ، والواقع والأجواء شيئ آخر.

انتخابات أعضاء المجلس الشرعي في جبل لبنان ستكون معركة “حامية” بين المرشحين الـ 4، أو محصورة بين شخصين فقط، يتنافسان على المقعد الثاني.

4 مرشحين لمقعدين: قاضي التحقيق في بعلبك حمزة شرف الدين من شحيم، القاضي الشرعي الشيخ رئيف عبد الله من شحيم، الشيخ عاطف القشوع من شحيم أيضاً وأخيراً الشيخ جهاد اللقيس امام وخطيب مسجد السلطان إبراهيم في جبيل.

ويعلق مراقبون لهذه الانتخابات، على أن ترشح الشيخ اللقيس هو لتسجيل موقف، والتذكير بأن جبيل موجودة، على الرغم من أنه لا يملك حظوظاً للنجاح.

إذاً، معركة جبل لبنان تحولت الى معركة إقليم الخروب، وخصوصاً شحيم، التي يتصارع 3 من أبنائها على مقعدين. وتجدر الاشارة الى أن عبد الله والقشوع ينتميان الى العائلة نفسها، أي آل عبد الله، اما القاضي شرف الدين فتربطه صلة قرابة بآل عبد الله الى جانب قربه من المشايخ. فالصراع أيضاً عائلي، وجميعهم معروفون بعلمهم وثقافتهم ومراكزهم، ويمكن وصفهم جميعاً بـ “الأوادم، وما عليهم أي شي”.

شرف الدين مضمون

في المرة الماضية فاز كل من الشيخ رئيف عبد الله الذي يترشح للمرة الرابعة توالياً، بـ 55 صوتاً، ورئيس اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي ورئيس بلدية شحيم سابقاً الرائد المتقاعد محمد بهيج منصور بـ 41 صوتاً، وتساوى حينها مع القاضي حمزة شرف الدين الذي أعلن ترشحه هذه المرة أيضاً، ففي المرة السابقة، وبحسب مصادر رفيعة المستوى تم “ذبح” القاضي شرف الدين في انتخابات المجلس الشرعي كي لا ينجح، موضحة أن أحد القضاة في منصب رفيع اتصل حينها بكل من يحق له الانتخاب وبالمقربين منه والقضاة لعدم التصويت لشرف الدين من أجل اقصائه، وهذا ما حصل فعلياً، اذ تساوت الأصوات وفاز منصور لأنه الأكبر سناً. وعزت المصادر سبب اقصاء شرف الدين، الى أنه لم يكن تابعاً لأحد من جهة، ومن جهة أخرى هو من مؤسسي نادي القضاة.

وقالت المصادر: “هذه المرة لن نشهد عملية مماثلة مع شرف الدين، فبعض القضاة ممن دبر له المكيدة حينها مشغولين بحالهم، وحمزة لديه اجماع كبير من القضاة في شحيم، وبقية مناطق الاقليم”.

هذا الكلام أكده عدد من القضاة، أنهم سينتخبون زميلهم شرف الدين لعدة أسباب أبرزها أنه مستقل وغير تابع لأي جهة سياسية وهو من مؤسسي نادي القضاة وكان عضواً في الهيئة الادارية الأولى، وهو الناشط الأكثر فاعلية في كل ما يتعلق بالحراك القضائي وغيرها من الأمور. ووصف أحد القضاة حظوظه بأنها “جيدة هذه المرة”.

معركة المشايخ وآل عبد الله

ظن المتابعون أن الشيخ رئيف سيضمن مقعده في المجلس الشرعي هذه المرة أيضاً، ولكن ترشح الشيخ عاطف القشوع، المدعوم من “الجماعة الاسلامية”، وهما ينحدران من العائلة نفسها ما “خربط” الحسابات كلها. وما زاد الضياع أكثر موقف “المستقبل” و”الاشتراكي” في المنطقة، حيث غالبية المحازبين هي من هذين الفريقين.

النائب بلال عبد الله وهو من شحيم ومن عائلة المرشحين أيضاً، قال في حديث لموقع “لبنان الكبير” عن موقف الحزب “الاشتراكي” من انتخابات المجلس الشرعي: “بتوجيهات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الرفيق تيمور جنبلاط أبلغنا سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في آخر لقاء عندما حضرنا للتهنئة، أننا لا نتدخل في انتخابات المجلس الشرعي الأعلى احتراماً لخصوصية هذا المجلس من ناحية، ومن ناحية ثانية تقديراً وثقة بالهيئة الناخبة على حسن اختيارها. وأعتقد أن هذا الموقف يعني أننا على المسافة نفسها من المرشحين كافة وسنحترم هذه الخصوصية، ونعتقد أن التدخلات السياسية في انتخابات المجلس تأتي في الوقت غير المناسب”.

موقف “الاشتراكي” هذا قد يربك الشيخ رئيف عبد الله الذي يعد مقرباً من النائب بلال عبد الله وفق المصادر المتابعة للانتخابات في جبل لبنان، وأن هذا الموقف قد ينعكس سلباً عليه من جهة، ومن جهة أخرى بحسب المصادر هناك حالة من التململ والانزعاج لدى بعض المشايخ والهيئة الناخبة لترشح الشيخ رئيف لأربع مرات متتالية، على الرغم من سيرته الطيبة وآدميته، وهذا لا علاقة له في حال عدم انتخابه. وأكدت المصادر أنه في حال التخيير بين الشيخين رئيف وعاطف، سيصوّت عدد لا يستهان به من الهيئة الناخبة للشيخ عاطف.

إذاً، هذا الصراع على المقعد الثاني بين الشيخين، سيحسم انطلاقاً من القرارات السياسية والعائلية معاً، من الناحية السياسية، والى جانب موقف “الاشتراكي” بأنه على مسافة واحدة من الجميع أي أنه لن يقف الى جانب اسم معين. في المقابل، أكد النائب السابق محمد الحجار لموقع “لبنان الكبير” أن المرشحين الأربعة تتوافر فيهم المواصفات المطلوبة كي يكونوا في المجلس الشرعي وممثلين عن الطائفة الاسلامية السنية في جبل لبنان.

وقال: “نحن لا نتدخل في هذا الموضوع وندعو الى التوافق وبالذات في جبل لبنان لأن المرشحين جميعهم لديهم المؤهلات ليكونوا في الموقع الذي يمثلون فيه المسلمين السنة في جبل لبنان خير تمثيل ويقوموا بالواجبات الملقاة على عاتق المجلس الشرعي على صعيد لبنان والمسلمين، خصوصاً في الظرف الصعب الذي نمرّ به، وكذلك ليكونوا الى جانب سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي نجلّ ونقدّر دوره والذي ندعو الله له بالصحة والعافية الجيدة والقدرات اللازمة كي يقوم بالمهمات الملقاة على عاتقه هو والمجلس الشرعي”.

إذاً، “المستقبل” أيضاً لا يتدخل بصورة مباشرة في هذه الانتخابات، والمواقف السياسية خلطت الأصوات والتعداد للمرشحين، لذلك شرحت المصادر المتابعة للانتخابات ما يحصل: “الشيخ عاطف المدعوم من الجماعة الإسلامية من الممكن أن يحصل على أصوات المستقبليين في جبل لبنان في حال حصول اتفاق مع اللائحة في بيروت، أي في حال انجاز اللائحة التوافقية في بيروت سينعكس ذلك إيجاباً على أصوات الشيخ عاطف. اما في حال الاتفاق بين الشيخ رئيف والشيخ عاطف بطريقة حبية وعائلية، فالشيخ عاطف قادر على أن يعطي الشيخ رئيف 14 صوتاً، اما الأخير فيمون على 12 صوتاً لإعطائها للشيخ عاطف، في هذه الحالة سيفوز أحد الطرفين”.

أضافت المصادر: “في المقابل، في حال لم يقم الشيخ رئيف بإعطاء الأصوات التي يمون عليها للشيخ عاطف، سيخسر في هذه الحالة أكثر من 10 أصوات، من أصوات المشايخ الذين صوّتوا له في المرات السابقة، وسيواجه مشكلة حينها، وفي هذه الحالة ستنخفض أصوات الشيخ رئيف، وفي المقابل الشيخ عاطف مدعوم من الجماعة الإسلامية ومن المحتمل جداً أن يكون المستقبل الى جانبه، مع الأصوات التي يمون عليها المفتي الشيخ محمد علي الجوزو ونجله الشيخ محمد هاني الجوزو. وهذه المرة الشيخ رئيف قد لا يحظى بدعم المفتي دريان كما في المرة السابقة، وهي نقطة أساسية ومهمة”.

معركة إفتاء جبل لبنان

وفق متابعة المصادر، فإن انتخابات المجلس الشرعي هي الباب لانتخابات مفتي جبل لبنان التي من المتوقع أن تحصل خلال الأشهر المقبلة، أو يقوم المفتي بتكليف أحد للإفتاء، اذ ان المرشحين لهذا المنصب هما القاضي الشيخ رئيف عبد الله والقاضي الشيخ محمد هاني الجوزو.

ويرى عدد من المشايخ أن المرشحين “أوادم” أيضاً، لكن الجوزو ناشط أكثر، ويتمتع بالحركة والديناميكية لتأمين الخدمات للمنطقة، وله علاقات جيدة بل ممتازة مع الكثير من الجمعيات الخيرية، ولطالما قدم الدعم لأبناء المنطقة من خلالها. كما يتمتع بعلاقات خارجية طيبة مع مختلف دول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية، وهذا أمر جيد لدوره على مختلف الأصعدة. اما بالنسبة الى لشيخ رئيف، فعلى الرغم من آدميته، الا أنه لا يتمتع بكل هذه العلاقات أو المقومات التي قد تخدم أبناء المنطقة، وذلك بحسب مصادر المشايخ، التي أشارت الى أن علاقة الشيخ الجوزو بمختلف الأطراف السياسية في المنطقة مميزة، وقد يكون صلة الوصل بينها في كثير من الملفات.

وتجدر الاشارة الى أن القوى السياسية في الاقليم تسعى الى مراضاة برجا باعطائها الافتاء، خصوصاً “الاشتراكي” والزعيم وليد جنبلاط، بعد سحب النيابة منها لدورتين متتاليتين واعطائها لشحيم، بعدما كانت للنائب والوزير السابق علاء الدين ترو.

شارك المقال