سقوط الحوارات الداخلية… وانتظار التسوية الخارجية

ليندا مشلب
ليندا مشلب

لم يكن الحوار الذي قدمه الرئيس نبيه بري فرصة أخيرة للاتفاق الداخلي قبل التدويل، كميناً لأي من الأطراف، بل كان سبيلاً للنزول عن الأسطح التي وضعتها لنفسها والجلوس على الطاولة والاعتراف بأن لا أحد استطاع فرض مرشحه، ولنذهب الى الانتخابات. النيران التي فتحت على الطاولة كشفت الحقائق، وخصوصاً من الكتل المسيحية التي فشلت في ما بينها في الاتفاق على رئيس جدي بعيداً عن المناورة، والسؤال أصبح اليوم: ماذا بعد رفض الحوار؟

تقول مصادر الثنائي لموقع “لبنان الكبير”: “لا أحد يستطيع فرض تسوية من وراء متراسه بالتنظير وهو مطمئن، ومن يجيد اللعبة السياسية يعلم أنه يجب النزول الى الساحة، فالحوار هو فسحة للقاء وقد أثبتت كل التجارب الداخلية والخارجية أن الأزمات تنتهي بفتح أبواب الحوار والتفاوض خصوصاً بعدما تبين أن هناك صعوبة كبيرة تصل الى حد الاستحالة في فرض طرف خياره على الآخر”.

وتتابع المصادر: “المنطق يقول، لن نخرج من هذا الانسداد الا بتسوية، والتسوية لها أشكال، اما تكون على الاسم، أي الاسم أولاً، واما من ضمنها تبني اسم. في الأولى يفترض بكل فريق التراجع عن مرشحه، وفي الثانية يسوّق كل فريق لمرشحه ولبرنامجه ويعطي الطرف الآخر ضمانات على هواجسه ويقدم دفتر شروط للتفاوض”.

وتؤكد المصادر أن الحوار سيبقى قائماً وستبقى الدعوة اليه مفتوحة لكن لم يعد مستعجلاً، ومن اللياقة انتظار عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الذي أكد أنه عائد، علماً أن الرفض الواضح لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والملتف الى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بطلبه توسيع بنود الحوار ليشمل البرنامج والمواصفات والاسم، صعّبا الدعوة الى الحوار اذ لا يمكن الذهاب اليه بغياب الكتل المسيحية الكبرى. اذاً، الطاولة معلقة لبعض الوقت ريثما تتضح الصورة.

اما اذا رفضت كل أشكال الحوار وهذا ما سيحصل أو في الواقع حصل، فهذا يعني أن المطلوب أبعد وأن هناك أطرافاً داخلية تتقاطع مع طرف دولي لا يريد الآن حل أزمة الرئاسة ويوحي بأن ظروفها غير ناضجة.

في كل الأحوال، الأبرز في التطورات التي حصلت خلال الساعات الأخيرة أن الفرنسي تراجعت فرصه، ولم يعد هناك رهان كبير عليه، والبلد دخل في مرحلة انتظار نتيجة التحرك القطري الذي دخل بقوة على خط التفاوض والتحضير لزيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد الخليفي. والقطري الذي ربما يحمل أسماء، يفترض أن الصورة قد اتضحت أمامه، بأن كل فريق الآن أصبح لديه تصور حول مسار الأزمة. وفي معلومات موقع “لبنان الكبير” أن القطري لن يوسع بيكار لقاءاته وستكون محدودة جداً لا تتجاوز أصابع اليد.

ويشرح مصدر سياسي من الدائرة الصغرى المواكبة للاتصالات لموقع “لبنان الكبير” الواقع الذي وصل اليه المرشح سليمان فرنجية فيقول: “في موازين القوى المحلية لم يتغير شيئ، وترشيح فرنجية كان له بعدان، خارجي وداخلي، خارجياً شكل التبني الفرنسي الواضح له رافعة كبيرة فقد استقبله (ايمانويل) ماكرون على مدى جلستين على أنه رئيس دولة وليس مرشحاً، اما السعودي فدخل على خط هذا الترشيح بقوة في المرحلة المتوسطة، اذ لم تكن الزيارة التي قام بها فرنجية الى اليرزة من الهواء وقد تم التحضير لها بتأنٍ، ونتاجها أعطى انطباعاً بأنها ليست ضد فرنجية ما جعل بيد زعيم المردة، ورقتين من القوة، خارجية تمثلت بالتبني الفرنسي وعدم الرفض السعودي الذي أعطى اشارة ايجابية، وداخلية من خلال تمسك فريق واسع بترشيحه هو الثنائي وحلفاؤه”. ما الذي تبدل؟

المعطى الخارجي تراجع الى حد كبير (الفرنسي سحب يده والسعودي أعلن بصورة واضحة لا لبس فيها أنه سيخوض المعركة لمرشح ثالث)، والمؤشر الأقوى أن السفير السعودي في اجتماعه مع النواب السنة تحدث أمام لودريان ليقول لهم ان مرجعية هذه الكتلة بالاستحقاق الرئاسي هنا.

ما الذي تغير داخلياً: الثنائي الذي استفاد من المناخ الخارجي واستطاع في جلسة ١٤حزيران تشكيل بلوك صلب قوامه ٥١ نائباً لصالح فرنجية لم يغيّر موقفه، لكن التعويل على جذب أصوات اضافية أصبح صعباً جداً في حساباته، نتيجة هذه التغيرات خصوصاً من النواب السنة كما كان يمكن لكتلة جنبلاط أن تغير موقفها اذا مالت الأمور لصالح فرنجية، الآن سقط الرهان على هذه الحسابات.

اذاً كيف تنفرج؟

المنطق يقول ان الخروج من هذا الانسداد يكون، اما بأن يصل الحوار بين “حزب الله” والتيار الى نتيجة ايجابية، (وهذا لن يحصل بعد انقلاب باسيل على بنود الحوار مع “حزب الله” تمهيداً لتطييره بالشكل الذي انطلق منه ومحاولة تحويره وفق شروطه بطرحه اسماً ثالثاً)، واما بتبدل ما في الموقف الاقليمي والدولي (ما حصل في نيويورك لم يكن لصالح فرنجية والفريق الداعم له)، وعليه دخلنا في مراوحة.

وفي معلومات “لبنان الكبير” أن فرنجية يتعاطى بواقعية لكنه لن يسحب ترشيحه ولن يتراجع طالما النقاش مفتوح ولم يقفل، وطالما الثنائي متمسك به وليس لديه مرشح آخر لا ثاني ولا ثالث. مع العلم أن مرحلة ما بعد فرنجية ستكون أصعب، الخيارات تصبح مفتوحة والنقاش سيخضع لحسابات الربح والخسارة ومبدأ تقويم الأشخاص (خيار أول وثانٍ وثالث واحتياط) ووصول أي من المرشحين وخصوصاً قائد الجيش ليس مستحيلاً، لكن الخطر سيكمن في تكرار التجارب السابقة وأخذ البلد الى تسويات غير مدروسة ومضمونة.

شارك المقال