حقيقة “هارب” وإدعاء تسببه بالزلازل والأعاصير

محمد شمس الدين

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب، والاعصار الذي تسبب بفيضانات قضت على آلاف الأشخاص في ليبيا، عادت نظريات المؤامرة من جديد لتضع اللوم على “هارب” الذي يفترض أنه سلاح يستطيع التحكم بالمناخ وأيضاً يمكنه إحداث زلازل، وهي النظريات نفسها التي انتشرت بعد زلزال تركيا وسوريا المدمر في شباط الماضي، ويستعين ناشروها بمشاهد لأضواء حصلت قبل الزلازل وبعدها، ليحاولوا تأكيد المؤامرة المفترضة، ولكن هل هذا حقيقي؟ وما هو “هارب”؟

هناك خلاف بين العلماء حول سبب ظاهرة الأضواء التي تسبق حصول زلزال ما أو تحصل بعده، البعض يظن أنها بسبب تفريغ شحنة كهربائية من الصخور خلال النشاطات السيزمية، مشيرين الى أن أحجار البازلت والغابرو على سبيل المثال لديها بعض العيوب في كريستالاتها قد تتسبب بتفريغ شحنة كهربائية في الهواء. وكانت دراسة سابقة أشارت الى أن ضغط الطبقات التكتونية الأرضية ينتج ما يطلق عليه “تأثير الكهرضغطية”، أي أن الأحجار التي تحتوي على الكوارتز تنتج حولها حقلاً كهربائياً عندما تضغط بصورة معينة. فيما يرى فيزيائيون آخرون أن جسيمات من مواد مختلفة مثل البلاستيك والدقيق تنتج شحنات كهربائية عند الاحتكاك، ويعتقدون أن ظاهرة أضواء الزلازل تحدث بسبب الاحتكاك بين هذه الجسيمات.

على أية حال كل النظريات العلمية حول ظاهرة أضواء الزلازل لا ترى أن هناك مسبباً بشرياً لها، بل انها ظاهرة تحدث لسبب علمي مختلف عليه، ولا بد من أن يتمكن العلماء يوماً ما من إصدار بحث يحسم الخلاف ويثبت أسباب الظاهرة.

أما “هارب” أو برنامج الشفق النشط عالي التردد، فهو برنامج يدير منشأة رئيسة في القطب الشمالي، والمعروفة باسم “محطة بحوث هارب”، التي بنيت على موقع للقوات الجوية الأميركية بالقرب من منطقة جاكونا في ولاية ألاسكا الأميركية.

وتعد أداة البحث الأيونوسفيري (IRI)، من أبرز معالمه، وهي عبارة عن مرفق لارسال الترددات اللاسلكية العالية القوة ويتم تشغيلها بواسطة ترددات عاملة في النطاق العالي. وتستخدم هذه الأداة لاثارة منطقة محدودة من المجال الأيوني وتنشيطها وتسخينها بصورة مؤقتة. وتستخدم بعض الأدوات الأخرى، مثل أداة التردد العالي جداً ورادار التردد فائق العلو، ومقياس المغناطيسية، وجهاز استقراء مغناطيسي، لدراسة العمليات الفيزيائية التي تحدث في المنطقة المؤثرة نفسها. والفكرة ببساطة تقوم على ربط مضخمات بتردد ما بين 2 Ghz إلى 2.5 Ghz وإطلاق حزمة موجية من خلال هوائيات Omni Antenna وبقوة موجية تصل الى 500MWatt -100MWatt.

طريقة عمل برنامج “هارب” شبيهة جداً بالمايكرويف المستخدم في الطبخ، فمصفوفة هوائيات H.A.A.R.P تمثل جهاز المايكرويف أما الايونسفير فيمثل الدجاجة التي تنضج من ترددات المايكرويف. وهذا التسخين الذي يحدث في تلك الطبقة تحدث من جرائه آثار اختلف في نتائجها العلماء والمهتمون.

وتجدر الاشارة الى أن المشروع ليس الوحيد في العالم، ففي النروج وأستراليا وروسيا مشاريع مشابهة غير أنها لا تحظى بالاهتمام نفسه من الرأي العالمي، عكس “هارب” الذي يشكل إثارة لمخيلة المهتمين بنظرية المؤامرة.

وفي الحقيقة، ليست هناك أي دراسة تشير إلى أن طبقة الأيونوسفير لها أي علاقة بالزلازل، إلا أن بعض العلماء الروس التابعين للحكومة أشاروا الى أنه يمكن لـ “هارب” تغيير المناخ من خلال قصف الغلاف الجوي بصورة مكثفة بأشعة عالية التردد، ومن خلال تحويل الموجات منخفضة التردد إلى كثافة عالية، كما ويستطيع أن يؤثر على دماغ الانسان، ولا يمكن استبعاد أن لها تأثيرات تكتونية، ولم يتم التأكد علمياً من إمكان ذلك عبر “هارب” أو لا.

البشر بطبيعتهم عند حصول أي كارثة يحاولون إيجاد من يلومونه عليها، قبل التطور العلمي، كانوا يرمون اللوم على الشياطين والسحرة والغضب الالهي، أما اليوم وفي عصر العلم، فليس أمامهم إلا لوم تجارب علمية تقوم بها دول كبرى، مثل أميركا، وتحديداً أن هناك ظاهرة علمية تحصل بالتزامن مع الكارثة، الضوء، لا تفسير نهائياً ومحدداً لها بعد، ولكن حتى لو وجد، سيبقى هناك من يلجأ الى نظريات المؤامرة، ولوم أحد أو جهة ما بسبب كارثة طبيعية.

هناك لوم على الدول الكبرى في الكوارث الطبيعية ولكن ليس لأنها تتسبب بها، بل لأنها تصرف ميزانيات ضخمة على الحروب وتطوير القدرات العسكرية، والتي لو أنفقت على دراسة الكوارث والتعامل معها، لكان بإمكان البشر تجنبها، أو على الأقل تقليص الخسائر في الأرواح.

شارك المقال