الحرب الأوكرانية تشعل المنافسة بين القوى العظمى

حسناء بو حرفوش

سلطت قراءة في موقع مؤسسة Heritage الضوء على إشعال الحرب الروسية – الأوكرانية المنافسة بين القوى العظمى وسباق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتتمتع هذه المنطقة بأهمية استراتيجية بالنسبة الى روسيا والصين والولايات المتحدة بسبب موقعها كمفترق طرق عالمي وبفضل موارد الطاقة الوفيرة وإمكاناتها الاستثمارية، وهي تضم 57 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم و41 في المائة من موارد الغاز الطبيعي. وأخيراً، تعد المنطقة سوقاً غير مستغلة تضم مستهلكين شباباً متعطشين للمنتجات والتكنولوجيا المتطورة من الأسواق الداخلية والخارجية. ومع ذلك، تتطلب الافادة من الموارد التي توفرها هذه المنطقة فهماً دقيقاً للدول الثماني عشرة التي تجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريدة من نوعها. وتختلف نماذج الحكم باختلاف الجمهوريات والملكيات، وتنوع الأديان والأعراق، والدول ذات الدخل المنخفض والعالي. كما تخلق هذه الطبيعة الديناميكية سياقاً جيواستراتيجياً فريداً للولايات المتحدة وروسيا والصين للتنقل فيه.

ساحة المنافسة بين القوى العظمى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ولطالما شكلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ساحة معركة للمنافسة السوفياتية – الأميركية على الوصول التجاري والعسكري والطاقة العالمية، ونفوذ القوة الناعمة في الفترة الممتدة من العام 1950 إلى العام 1991، بحيث انقسمت البلدان إلى ثلاثة معسكرات: تلك التي انحازت إلى الولايات المتحدة والغرب، والتي انحازت إلى الاتحاد السوفياتي، والتي لم تدعم أياً من القوتين. وعلى الرغم من أن المنافسة كانت شرسة بين القوتين العظميين، عززت الولايات المتحدة نفوذها في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال التعاون في مجال الطاقة ومبيعات الأسلحة والوساطة في الصراعات الداخلية الكبرى في المنطقة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، تمتعت الولايات المتحدة بنفوذ لا منازع فيه على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأنها عملت كضامن أمني، وشريك تجاري موثوق، ووسيط موثوق به لحل التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العديدة التي تواجهها المنطقة. وعرفت السياسة الأميركية في أعقاب أحداث 11 أيلول 2001 نقطة تحول بالنسبة الى مكانة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفتحت الأخطاء الفادحة في العراق وأفغانستان، والقيادة الفاشلة خلال الربيع العربي، والانفتاح على إيران، الأبواب أمام روسيا والصين للتدخل.

ومهد التدخل العسكري الروسي في العام 2015 لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية، الطريق لمزيد من التدخل في المنطقة. وبعد العام 2015، أعادت روسيا إحياء العلاقات القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية وأقامت علاقات جديدة مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين من خلال محاولة تسويق نفسها كشريك أكثر موثوقية يتحدث الى جميع الأطراف. وتعززت هذه العلاقات من خلال بيع الأسلحة الروسية في المنطقة، لكنها ضعفت بسبب عدم وجود تدفقات تجارية واستثمارية كبيرة. الا أن المخاطر كبيرة بالنسبة الى الولايات المتحدة، اذ سمحت عقود من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لها باستعراض قوتها على مستوى العالم، لكن الصين تحقق الآن نجاحات بمعدل سريع. وينبغي لذلك أن يدق ناقوس الخطر في واشنطن، حيث تدخل الولايات المتحدة حرباً باردة جديدة مع الصين، وتقع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز المنافسة بين القوى العظمى. وللفوز بالمنافسة، ستحتاج كل من الصين والولايات المتحدة إلى التغلب على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستخدام ثلاث آليات: الأسلحة والطاقة والتجارة.

ومنذ الأيام الأولى للصراع في أوكرانيا، ضغطت واشنطن بشدة لتوحيد حلفائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد روسيا من دون نجاح يذكر. وعلى الرغم من أن معظم الدول صوّت في نهاية المطاف لصالح إدانة تصرفات روسيا في الأمم المتحدة، لم يفرض العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عقوبات على روسيا، ولا يزال يتواصل بانتظام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما على مستوى التسليح وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الصين، فلا تزال الولايات المتحدة المورد المفضل للأسلحة في المنطقة، وتعد مبيعات الأسلحة أمراً أساسياً لها للحفاظ على علاقات ثنائية قوية مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتأمين قواعدها في جميع أنحاء المنطقة.

لكن اليوم، يشكك الحلفاء الاقليميون في القيادة العالمية للولايات المتحدة، ويستند هذا التقويم إلى سياسات إدارتي باراك أوباما وجو بايدن. كما لا تريد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تعتبرها واشنطن أمراً مفروغاً منه. ومع تركيز الولايات المتحدة على أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ والهندي، تعمل الصين على تسويق نفسها باعتبارها شريكاً بديلاً في مجال الأسلحة والطاقة والتجارة. تعتبر طبيعة المعاملات التي تتسم بها العلاقات الثنائية بين الصين جذابة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي لا ترغب في الالتزام بتوقعات معينة حددتها الولايات المتحدة. ومع ذلك، تمنح العلاقات الأميركية الراسخة مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الولايات المتحدة ميزة على الصين، أقله في الوقت الحالي. ومن أجل ضمان استمرار هذا الوضع، يجب على الولايات المتحدة أن تحسن استثمار الأدوات الاستراتيجية التي تمتلكها للحفاظ على مجالات نفوذها على الشركاء الاقليميين!

شارك المقال