أيادي النزوح الخاملة أدوات لـ”الشياطين”

محمد شمس الدين
مخيمات اللاجئين

“الأيادي الخاملة هي أدوات الشيطان” هكذا يقول المثل، ولعل هذا لم يخطر في بال السياسيين اللبنانيين الذين لم يعملوا على ضبط عمليات النزوح السوري، حتى وصل الأمر إلى أن محافظة بعلبك – الهرمل أصبح يقطنها لاجئون أكثر من سكانها اللبنانيين، 315 ألف سوري مقابل 250 ألف لبناني، وهو رقم صادم، ولكن المشكلة ليست في الأعداد وحسب، فليست هناك سياسة لبنانية، أو خطة عمل للتعامل مع هذا العدد الهائل منهم، فهم ليسوا لاجئين بالنسبة الى لبنان الذي يرفض أن يكون بلد لجوء، ولا وجود لقوانين وأنظمة للتعامل معهم، فلا يمكنهم العمل، ولا الحصول على حقوق المواطنة، ما يتسبب بانتشار الجرائم لديهم، كي يؤمنوا لقمة العيش، وما يخيف أكثر من الجرائم العادية، هو استغلال أصحاب الأجندات المشبوهة وضعهم، واستعمالهم كوقود في حروب المخابرات والارهاب.

اللاجئ السوري في لبنان لا يمتلك فعلياً أي حقوق، حتى أن المجتمع الدولي لا يدعم الدولة اللبنانية مباشرة للمساعدة في التعامل مع اللاجئين في حال تعذر امكان عودتهم إلى سوريا، بل هو يدعم جمعيات خاصة تعنى بأوضاعهم، وبالتالي تدفع الدولة الثمن من بنيتها التحتية المنهارة أصلاً، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية المستمرة منذ 4 سنوات.

ويوضع اللاجئ السوري في لبنان أمام خيارات أفضلها سيء، وأسوأ ما يمكن أن يحصل لعدد ضخم من الشباب هو الجلوس بلا عمل وانتظار المساعدات من المنظمات الدولية، ومن لا تصله هذه المساعدات إما يضطر الى العمل لدى رب عمل لبناني يستغله بالراتب الضئيل مقابل ساعات عمل طويلة، وإما يتجه الى “الشحادة” المباشرة أو غير المباشرة كبائع متجول، وإن لم يستطع في الأمرين، يكون عاملاً بالساعة ويقف في تخوم الطرق بانتظار أن يمر أحد ما يحتاج الى “عتالين”.

كل هذه الأعمال بالكاد تؤمن القوت اليومي، ما يدفع بعض اللاجئين إلى الاتجاه نحو الجريمة، منهم من ينضم الى عصابات منظمة تحديداً في تجارة المخدرات، ومنهم من يقوم بسرقات ونشل لحسابه الخاص، فيما آخرون يعملون كمرتزقة لمن يدفع، كما حصل في قضية رجل الأعمال بديع الحاج، الذي خطفته في البقاع عصابة من اللاجئين بتخطيط من ابن عمه، من أجل الحصول على فدية.

أما الهاجس الأكبر في بلد يعتبر ساحة أو ملعباً للعديد من الدول ومخابراتها والتنظيمات العالمية، فهو أن تستغل منظمات ارهابية اللاجئين، لأن مجتمعات البؤس هي بيئة خصبة لتجنيد الشباب من الارهابيين، بحيث لا يرى هؤلاء أي مستقبل أمامهم، فينضوون في هذه الجماعات عبر عمليات غسل دماغ ممهنجة، تستغل غضبهم الناشئ من الحرمان وتجندهم.

بينما تفشل الدولة اللبنانية، كفشل المجتمع الدولي أيضاً، أحياناً بسبب سوء تقدير، وأحياناً أخرى بسبب أجندات لبعض الدول التي تريد استغلال قضية اللاجئين الانسانية في السياسة، بدأت أوروبا تستشعر الخطر، بحيث بدأت ترتفع الأصوات في الدول الأوروبية للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، معتبرة أنه خطر وجودي. وكانت قبرص متقدمة في هذا المجال، وبدأت حملات لايجاد حلول لأزمة المهاجرين، وعرضت على لبنان تعاوناً في شأن غير الشرعيين منهم عبر البحر.

التجمعات البشرية التي لا يستطيع من فيها ممارسة دورهم كمواطنين في المجتمع، تولد فيها الجريمة، فعندما يعتبر الانسان أنه لا يمتلك حقوقاً، وليس أمامه مستقبل يعيش من أجله، لن يهتم بالقوانين، وسيقدم على أي فعل من دون أن يخاف من العقاب كونه يعتبر أنه لا يعيش فعلياً، وفي بلد يفشل في إدارة أقل شؤون الدولة بالتأكيد سترتفع نسبة طريقة التفكير هذه.

الحلول ليست سهلة، فالمشكلة متعلقة بسياسات دولية، هل يقبل العالم بالتطبيع مع النظام في سوريا؟ هل يمكن إعادة اللاجئين من دون مساعدة النظام؟ هل يمكن فتح مناطق آمنة في سوريا؟ هل تعدل المنظمات الدولية سياساتها بشأن مساعدة اللاجئين في أرضهم الأم وليس خارجها فقط؟ وماذا عن حلول مستدامة لأزمة النزوح تبدأ بخلق فرص عمل في بلدهم الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وتحديداً أن الموجات الأخيرة من النزوح لا علاقة لها بالحرب بل بالوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه السوريون في بلادهم؟ كلها أسئلة يجب أن تُسأل عند البدء بالحديث عن حلول لأزمة النزوح، ولا يمكن الاجابة عنها بسهولة، كما لا يمكن حل الأزمة ببساطة، ولكن المؤكد أن لبنان لن يستطيع أن يحتمل أكثر.

شارك المقال