لا حلول للتغير المناخي والصراعات العسكرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة

لبنان الكبير

اختتمت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا فعاليات دورتها رقم 78، وقد برزت قضيتا مواجهة تداعيات التغير المناخي وحل الصراعات العسكرية في أوروبا وخارجها، كمعضلتين.

وأظهرت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقدما على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030.

وانصب جُل التركيز خلال تجمع زعماء الاتحاد الأوروبي والعالم في نيويورك على مواجهة تبعات التغير المناخي وحل النزاعات، وتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

وفي الوقت الذي يمضي فيه الاتحاد الأوروبي بطموحاته في مجال المناخ قدما، سعت شركات النفط والغاز إلى إبطاء وتيرة تحقيق التزاماتها في مجال إزالة الكربون، عبر توزيع أرباح مجزية على المساهمين، وممارسة ضغوط على الحكومات كي تتراجع عن التزاماتها المناخية.

وفي ردها على سؤال حول وجود هذه الشركات مرحبا به في “مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” (كوب 28) المقرر في دبي أواخر تشرين الثاني المقبل قالت مسؤولة المناخ السابقة بالأمم المتحدة، كريستيانا فيجيريس:” يعتمد هذا ان كانت ستحضر للمساعدة وتسريع وتيرة إزالة الكربون، ام أنها تعمل حرفيا ضد هذه الأهداف؟”.

وتطرق زعماء العالم في نيويورك إلى مسألة حل العديد من الصراعات العسكرية. وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي ودوله، تصدرت الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناجورنو كاراباخ، جدول الأعمال.

وثبت بالفعل أن تمتع روسيا بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي يشكل عقبة رئيسية..

في الوقت الذي تبدو فيه الأمم المتحدة مقصرة فيما يتعلق بجهود مكافحة التغير المناخي وحل النزاعات، أظهرت دول الاتحاد الأوروبي بعض التقدم الإيجابي على مسار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

كل الأنظار تنصب على التغير المناخي

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش زعماء العالم من أن أزمة المناخ “فتحت أبواب جهنم”، ووصف “قمة طموح المناخ” التي عقدت قبل انطلاق أعمال الجمعية العامة بأنها منتدى “لا معنى له”، وأوضح أن الدعوة ستوجه فقط للزعماء الذين وضعوا خططا فعلية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

يشار إلى أن “قمة طموح المناخ” كانت أكبر قمة للمناخ تعقد في نيويورك منذ عام 2019، عندما صدمت الناشطة السويدية الشابة جريتا تونبرج العالم بخطابها الذي ألقته أمام الأمم المتحدة تحت عنوان “كيف تجرؤون؟”
وتصاعد الغضب بين نشطاء حماية المناخ، خاصة الشباب، حيث خرجوا مؤخرا بالآلاف في نيويورك في مسيرة تحت شعار “إنهاء الوقود الأحفوري”.

وعقدت قمة المناخ قبل أسابيع من “كوب 28” المقررة في الإمارات. وتتضمن أهداف المؤتمر العالمي مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة بثلاثة أمثال بحلول عام 2030، وإنهاء توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، وهو أمر “لا ينحسر”، من خلال توظيف تكنولوجيا احتجاز الكربون بحلول عام 2050.

أشار الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته الافتتاحية لقمة طموح المناخ، إلى الحرارة الرهيبة والحرائق التاريخية التي شهدها عام 2023، وشدد انه لا يزال يمكننا الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 5,1 درجة مئوية، في إشارة إلى الهدف الذي يعتقد أنه ضروري لتجنب كارثة مناخية طويلة المدى.

وعقب تلقيها 100 طلب للمشاركة في “قمة طموح المناخ”، كشفت الأمم المتحدة النقاب عن 41 متحدثا خلال الحدث، لم يكن بينهم الصين، أو أمريكا، أو بريطانيا، أو اليابان، أو الهند.

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام القمة: “وضع الاتحاد الأوروبي أهدافا طموحة لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030، نريد خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بواقع 55%، على الأقل، وثمة نبأ سار، نحن على مسار تحقيق هذا الهدف”.

وأضافت: “هناك حاجة لطموح مماثل من مصادر الانبعاثات الرئيسية الأخرى، كي نضمن وصول الانبعاثات العالمية إلى الذروة بحلول 2025، والتخلص بشكل تدريجي من الوقود الأحفوري الذي لا ينحسر، قبل عام 2050”.

ألقى إعلان بريطانيا تراجعها عن السياسات المتفق عليها حتى الآن بشأن تحقيق صافي انبعاثات صفرية بظلال جزئية على المحادثات. وأشار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي لم يحضر إلى نيويورك، انه يتبنى نهجا أكثر “واقعية” من أجل الوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، بما يشمل إرجاء فرض حظر على بيع سيارات الوقود الأحفوري، وتخفيف أهداف كفاءة الطاقة بالنسبة للعقارات المستأجرة.

وجاءت هذه التحركات في وقت يتراجع فيه حزب المحافظين بزعامة سوناك، في استطلاعات الرأي أمام حزب العمال المعارض، في خضم أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة بالمملكة المتحدة.

حل الصراعات يبرز الانقسامات العالمية

أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ظهور رفيع المستوى أمام مجلس الأمن الدولي، عن أسفه لعجز الأمم المتحدة عن منع الصراعات، داعيا إلى إصلاح جذري للمنظمة العالمية. ويأتي ذلك في الوقت الذي دخل فيه الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا شهره العشرين.

وتحدى زيلينسكي موسكو لدى افتتاحه اجتماع مجلس الأمن، الذي كرس لحرب أوكرانيا على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة، ودعا إلى تجريد روسيا من حق الفيتو (النقض)، كما انتقد الأمم المتحدة لإخفاقها في حل الصراعات العالمية.

واستنكر الرئيس الأوكراني، وقد جلس لأول مرة منذ بدء الغزو مع مسؤول روسي رفيع (سفير موسكو لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا) في نفس القاعة انه من المستحيل وقف الحرب حيث تواجه جميع التحركات حق النقض من قبل المعتدي.

وتلقى زيلينسكي دعم الجمعية العامة عبر رئيس بلغاريا رومين راديف، الذي قال: “مضى 19 شهرا منذ شنت دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن حربا عدوانية على جارة لها، في انتهاك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.

وشهد اجتماع مجلس الأمن مشاركة 60 دولة.

ودعا زيلينسكي إلى توسيع العضوية الدائمة بمجلس الأمن، عبر منح مقاعد دائمة لأفريقيا وأسيا، وألمانيا. وأطلق مجددا خطته للسلام، المؤلفة من10 بنود، وأكد، كشرط مسبق لذلك، ضرورة انسحاب روسيا وإعادة الحدود إلى ما كانت عليه قبل غزو موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

ورغم ذلك، قال وزير الدفاع البولندي ماريوش بلاشتشاك إن بلاده تعارض حصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن، وقال إن برلين تباطأت في تقديم العون لأوكرانيا عندما بدأت الحرب العام الماضي.

يشار إلى أن الأمم المتحدة تضم إجمالا 193 دولة عضو، وتتمتع خمس دول فقط بمقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي، وبحق الفيتو، وهي أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا.

ووجه وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان اتهاما للمجتمع الدولي بالتقاعس إزاء العملية العسكرية التي نفذتها أذربيجان للسيطرة على منطقة ناجورنو كاراباخ، التي يقطنها الأرمن بشكل رئيسي.

ودعا ميرزويان الأمم المتحدة خلال المناقشة العامة مطلع الأسبوع الماضي، إلى إرسال بعثة لمراقبة، وتقييم، حقوق الإنسان والوضع الإنساني والأمني على الأرض (في ناجورنو كاراباخ).

وتقع ناجورنو كاراباخ ضمن أراضي أذربيجان، ولكن معظم سكانها من الأرمن، ودار نزاع استمر فترة طويلة بين الجمهوريتين السوفيتين السابقتين للسيطرة على المنطقة.

ونفذت أذربيجان -التي تقودها سلطات استبدادية- عملية عسكرية يوم الثلاثاء الماضي للاستيلاء على المنطقة، واستسلم الأرمن في ناجورنو كاراباخ بعد يوم واحد، عقب هزيمتهم.

اقتراب أهداف التنمية المستدامة لعام 2030

وفي اتجاه أكثر إيجابية، أثبتت عدة دول بالاتحاد الأوروبي التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 في ظل التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن.

وجاءت إسبانيا، التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في المركز الـ16، وكرواتيا في المركز الـ12، ضمن 166 دولة عضو بالأمم المتحدة جرى تقييم التقدم الذي أحرزته في هذا المضمار.

ولفتت رئيسة سلوفاكيا سوزانا تشابوتوفا إلى أن الجهود الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة شهدت تباطؤا جزئيا جراء أزمات، مثل جائحة كوفيد19-، ولكنها رأت أن ذلك ليس عذرا.

وذكرت تشابوتوفا أنه يتم إنتاج حوالي 85% من الطاقة الكهربية في بلادها دون إصدار انبعاثات، وأضافت أن سلوفاكيا ستوجه 5% من إجمالي الناتج المحلي عل مدار السنوات السبع المقبلة لإزالة الكربون من الاقتصاد، وتعزيز صادر الطاقة المتجددة.

وقال الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس إن بلاده حققت 62% من الأهداف الخاصة بها في إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وأوضح أن رومانيا”حققت تقدما كبيرا فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة في مجال حماية البيئة والحد من التغير المناخي”.

وقالت رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار إنه رغم هذا الزخم، هناك حاجة لمزيد من العمل، مضيفة أن البطء الشديد في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة كارثة.
وأشارت إلى الحاجة لتسريع الوتيرة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، إلى 5ر1 درجة مئوية.

وتبنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالإجماع، إعلانا أكد مجددا التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، المعطلة، قبيل مناقشات الجمعية العامة.

وكان زعماء العالم تبنوا أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، بالإجماع، في عام 2015، وهي خطوط توجيهية تهدف إلى تحقيق مزيد من الاستدامة والمساواة والرخاء في أنحاء العالم.

وتتعلق هذه الأهداف بالقضاء على الفقر والجوع، وتحسين الصحة والرفاهية، وتوفير تعليم جيد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة، والطاقة النظيفة ميسورة التكلفة، والعمل الملائم والنمو الاقتصادي.

شارك المقال