ملف اللاجئين ومخاطره… الجيش يواجه وحيداً “الخطر الوجودي” (2)

زياد سامي عيتاني

باتت المخاطر الأمنية التي يشكلها اللاجئون السوريون تهدد بصورة ملحوظة ومقلقة أمن لبنان وإستقراره ووجوده، فضلاً عما تنطوي عليه من مخاوف تتعلق بإمكان توظيف فئات منهم لأعمال إرهابية. وهذه المخاطر تجاوزت الجانب الأمني التقليدي، لتلامس الأمن الشخصي للمواطن اللبناني، الذي يشعر بتراجع الحماية الأمنية بصورة كبيرة مع تزايد شتى أنواع الجريمة والتعديات والتجاوزات، التي يقوم بها سوريون لاجئون (بعيداً عن منطق العنصرية)، بحيث سجّلت احصاءات المؤسسات الأمنية نسب ارتفاع ملحوظة في عمليات السلب وسرقة السيارات والاغتصاب والخطف والقتل والاعتداء الجسدي خلال السنوات الماضية، والجزء الأكبر منها يرتكبه اللاجئون السوريون، وهو ما يخشى تزايده مع التدفقات الجديدة غير الشرعية، خصوصاً أن هناك أفراداً لا تعلم القوى الأمنية بهم، أو أي شيئ عن أسمائهم وخلفياتهم، وفي حال إقدامهم على أي اعتداء يصعب القبض عليهم! فاللاجئون السوريون ينتمون إلى مجموعات مختلفة، منها معارض للنظام، ومنها مؤيّد له، كما أنّ جزءاً منهم يتأثر بالمجموعات الاسلامية المتشدّدة، ووجودهم في مناطق لبنانية تتضمن مجتمعات منقسمة سياسياً، بعضها مع النظام وبعضها ضدّه، يشكّل حتماً تهديداً للأمن السياسي، كما أنه مسألة حسّاسة سياسياً على الصعيد اللبناني الداخلي، وقد يستخدمهم البعض لخدمة أجندات محدّدة.

وعلى الرغم من تقاعس الدولة اللبنانية منذ ما يقارب العقد من الزمن، وإزاء الخطر الداهم، وبعد تصاعد الضغوط السياسية الداخلية والمطالبات باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، إستفاقت الدولة متأخرة على التعاطي بشيئ من الجدية مع هذا الملف القابل للتفجير (!)، بحيث قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية تزور دمشق برئاسة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب لمتابعة الملف خلال 15 يوماً، علماً أن هذا القرار عطّلته سابقاً الخلافات بين الوزراء حول صلاحية إدارة الملف، ما دفعَ حينها بو حبيب إلى التنحّي، كذلك انسحب وزير المهجّرين عصام شرف الدين من الجلسة، معتبراً أن “القرار ضعيف وغير مدروس”.

واتخذت الحكومة قراراً بالتعميم على البلديات بوجوب الافادة الفورية عن أيّ تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق باللاجئين السوريين، ولا سيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها، وإجراء مسح فوري للقاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، والطلب من الجمعيات كافة، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والادارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، وإعداد التعديلات القانونية اللازمة، بالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، لرفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية.

كل هذه الاجراءات والتدابير، تبقى عاجزة وقاصرة عن وقف عملية النزوح من جهة، وضبط اللاجئين المنتشرين على إمتداد الأراضي اللبنانية وتنظيمهم من جهة أخرى، وهذا ما دفع المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري إلى التأكيد، في لقاء صحافي أن موضوع اللاجئين السوريين “شائك”، معتبراً أن “الدولة السورية غير مؤهلة تأهيلاً كاملاً لاستقبال النازحين، خصوصاً سكان أبناء المناطق المدمرة وانعدام البنية التحتية فيها، ناهيك عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، فيما الجانب الأوروبي ومعه الأميركي يرفضان عودة هؤلاء حتى لا يصور الأمر على أنه اعتراف برئيس النظام السوري بشار الأسد أو انتصار له”، معبّراً عن أسفه لأن “لبنان ولسوء الحظ واقع في المنتصف”.

وإزاء محدودية دور الدولة بكل أجهزتها، يقع العبء الكبير والهائل على الجيش اللبناني، الذي يحاول جاهداً التصدي لتداعيات النزوح، على الرغم من المسؤوليات الأمنية المنوطة به، والتي جعلته مستنفراً ومتعباً! وهنا من الضروري العودة إلى تحذير قائد الجيش جوزيف عون خلال الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من أن “التهريب عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، على الرغم من قلة العديد”. وفي الجلسة نفسها اقترح الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، “إعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية، حيث يتيح القانون حينها للجيش اتخاذ قرارات استثنائية والانتشار والسيطرة على المعابر”، فردّ عون: “لديّ ثلاثة آلاف عسكري للطوارئ، وأنا بحاجة إلى 40 ألفاً لضبط الحدود”!

وفي هذا السياق، يجب التوضيح وشرح الصعوبات الميدانية الجغرافية للتضاريس الوعرة والمتعرجة للحدود اللبنانية – السورية التي يبلغ طولها 387 كيلومتراً. وعلى الرغم من وجود 108 نقاط تفتيش، و18 برج مراقبة، يقتصر وجود الجيش على ثمانية آلاف عنصر يعتبرها العماد عون غير كافية، خصوصاً مع وجود 137 معبراً غير شرعي على الحدود. وما يزيد الأمور صعوبة، أن النازحين لا يدخلون بصورة إفرادية عبر الحدود، إنما عبر مجموعات تتراوح كل منها بين 150 إلى 200 شخص، مع وجود عصابات “تهريب البشر”، التي تعمل كشبكة عنكبوتية على جانبي الحدود بأسلوب منسق، بحيث تعمد إلى إيصال المجموعات عبر حافلات نقل للتجمع في نقاط محددة من الناحية السورية، ومن ثم تتخذ مساراً برياً تجاه الحدود اللبنانية قبل التفرق إلى مجموعات صغيرة من حوالي 20 شخصاً للانتقال إلى مختلف المناطق اللبنانية. ووفق المعلومات فإن عملية “التهريب” ليست محصورة بالنازحين، إذ يستضيف لبنان ما يقارب 600 ألف عامل سوري في قطاعات البناء والزراعة والعمالة، ومنهم عمال موسميون أو مياومون، يطلبهم أصحاب الورش أو الأعمال من عصابات التهريب، لعدم دفع الرسوم وبدل الاقامات والكفالات.

وتؤكد مصادر أمنية أن “غالبية عمليات التهريب لا تحصل إلّا بغطاء أمني لبناني وسوري، أو لبناني وبمقابل رشوة”، وأن هذه العصابات تحظى بحماية قوى نافذة، لا بل تعمل بتوجيه وتعليمات منها، ما يوفر لها حماية سياسية، وفي المقابل يمنع على الجيش اللبناني الغطاء السياسي، للقيام بمداهمة كبار المهربين المعروفين بالأسماء واعتقالهم. وعلى الرغم من كل الصعوبات التي يواجهها الجيش اللبناني، فإنه تمكن من رد الكثير من تلك المجموعات القادمة إلى لبنان قبل دخولها الحدود، إضافة إلى اعتقاله نحو ألف شخص أُعيد قسم منهم وأُحيل آخرون لأسباب إنسانية وأمنية على القضاء للبت في أمرهم. كذلك، فإن فوج الحدود البري، تمكن من ضبط العديد من المعابر غير الشرعية، وأقام الحواجز الموازية للطرق الدولية في البقاع الشمالي، منعاً لدخول موجات جديدة من النازحين، بعد الانفلات الكبير الذي حصل خلال الأيام العشرة الأولى من شهر آب الماضي.

وعلى الرغم من الجهود المضنية والجبارة التي يقوم بها الجيش اللبناني منفرداً للحد من مخاطر هذا الملف الذي بات أشبه بـ “بركان” قابل للإنفجار، فإنه لا يسلم من الاستخدام السياسي، عبر تسريب معلومات عن إجراءات أمنية يقوم بها في حق عشرات السوريين، وتصويرها وكأنها حملة ترحيل للاجئين، فيما هي إجراءات ينفذها الجيش منذ نيسان 2019، تطبيقاً لقرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع، يقضي بترحيل الذين لا يملكون وثائق رسمية وقانونية.

كل ما تقدم من معطيات ووقائع، يتجاوز كونه أزمة حقيقية، إذ بات ينذر بإنفجار إجتماعي وديموغرافي وأمني، لا أحد يمكن أن يقدر توقيته ولا نتائجه الكارثية، ووصل الى مرحلة متقدمة جداً من الاضطراب السياسي والأمني، يفوق بأشواط قدرات الجيش اللبناني المتروك “يتيماً”، لإبقاء الوضع تحت السيطرة ومواجهة “الخطر الوجودي”!

شارك المقال