الدورات المتتالية فشلت في أميركا… ماذا عن لبنان؟

محمد شمس الدين

منذ أن انتخب رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي بـ 15 دورة متتالية في 7 كانون الثاني، لم تهدأ القوى الرافضة للحوار في اعتبار المشهد نموذجاً يجب اتباعه في انتخابات الرئاسة اللبنانية، إلا أن الكثيرين لم يكونوا يعلمون أن مكارثي لو لم يجرِ صفقة مع زميله الجمهوري مايك غانتس، المعارض له، لما كان وصل إلى سدة رئاسة المجلس، وبالكاد صمدت هذه الصفقة 10 أشهر، بحيث أطيح بمكارثي أول من أمس، وبات شبح الفراغ التشريعي يتهدد المجلس النيابي الأميركي بغياب رئيسه.

تعتبر الولايات المتحدة الأميركية من أكثر البلدان الرائدة في الديموقراطية، ولكن هذا لا يعني بالطبع أن الاستحقاقات تسير فقط وفق النصوص الدستورية بطريقة جامدة، اذ تجري الحوارات الجانبية بين أعضاء مجلسي النواب والشيوخ للتوافق على القوانين والاستحقاقات، إلا أن التوافق فشل، بانتخاب مكارثي، وتحديداً بين أعضاء الحزب الجمهوري، ما أدى إلى اعتماد الدورات المتتالية، ولم ينل المنصب إلا بصفقة مع زميله غانتس الذي شكل شوكة في خاصرته طيلة فترة ولايته، حتى قاد في النهاية حملة عزله ونجح في ذلك.

وتعليقاً على عزل مكارثي، رأى مصدر سياسي من مؤيدي مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن “التجربة الأميركية تلقي بظلالها على سيناريو رئيس جمهورية للبنان ينتخب عبر جلسة بدورات متتالية، ففي حال انتخب مرشح أي فريق لن يدعه الفريق الآخر يحكم، وسيعرقله عند كل مفترق، بل قد تجد عدداً كافياً من النواب يقدم فيه عريضة في حالتي عزل رئيس الجمهورية، ويمكنه أن ينال الأصوات الكافية من أجل ذلك”.

واعتبر المصدر أن “حالة مكارثي وغانتس، تشبه حالة سليمان فرنجية وجبران باسيل، ففي حال حصلت صفقة بين الأخير وحزب الله من أجل انتخاب فرنجية، سيشكل باسيل شوكة في خاصرة العهد، وسنعود عندها إلى التعطيل كما حصل في عهد عمه ميشال عون، ولهذه الأسباب، يجب أن يقتنع المعارضون بمبادرة الرئيس بري الداعية الى الحوار، بغض النظر عن كل التحفظات ونتائج الحوارات السابقة، لأن أي فريق يعتبر نفسه خاسراً، سيعرقل عمل الفريق الآخر، وكل فريق لديه الأدوات التي تمكنه من العرقلة، تحديداً في ظل مجلس نيابي منقسم بهذا الشكل، ولا غلبة لفريق على آخر”.

عموماً ليس من المفترض في بلد مثل الولايات المتحدة أن يدوم الفراغ طويلاً كما يحصل حالياً في لبنان، فهناك يخاف المسؤولون المنتخبون من محاسبتهم في صناديق الاقتراع، ما يعني أن النواب الأميركيين سيتجهون في نهاية المطاف إلى إنجاز الاستحقاق، حتى مع وجود الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديموقراطيين، عكس لبنان الذي لا يخاف المسؤولون فيه من صناديق الاقتراع معتمدين على طغيان الطائفية على المجتمع اللبناني.

وفيما يمكن الاقتناع بوجهة نظر الفريقين، إن كان الفريق الداعي الى الحوار، الذي يعتبر أن التوافق هو روح الدستور، أو الفريق الآخر الذي يقدم نصوص الدستور على أي أعراف، يجب الاعتراف بأن الفريقين يصعّدان بصورة كبيرة في وجه بعضهما البعض، ولا يمكن أن يأتي الحل إلا في حال نزول الجميع عن شجرة التصعيد، والجمع بين التوافق والدستور، والتوقف عن استجلاب الخارج لإنجاز الاستحقاقات الداخلية، والأهم من ذلك كله، يجب إصلاح النظام، بما يمكن من تداول السلطة، فإن حكم فريق البلد وفشل، يجب عليه إعطاء فرصة للفريق الآخر، وإلا ستستمر الدوامة، ويشل البلد عند كل استحقاق.

شارك المقال