الحرب بين روسيا وأوكرانيا… درس للهند

حسناء بو حرفوش

على الرغم من الجهود التي بذلها المجتمع الدولي بهدف وضع حد للحرب الأوكرانية، استمرت الحرب بشكل يستدعي من كل الدول وتحديداً الهند التفكر في مصيرها، وفقاً لمقال في موقع “ذا نايشن” الالكتروني الهندي.

وحسب المقال، “تعرضت روسيا لعقوبات من المجتمع الدولي بأكمله وتحمل الجانبان الروسي والأوكراني وطأة الدمار والزوال من هذه الحرب مع فقدان العديد من الأرواح البريئة في هذه الاضطرابات. وإذا ما نظرنا للوضع المؤدي إلى هذه المواجهة العسكرية واسعة النطاق بعمق، نجد أنه لا يختلف كثيراً عن العلاقات بين الهند وجيرانها الأصغر في شبه القارة الهندية.

وتتمتع الهند بموقف مهيمن في التعامل مع جيرانها، وخصوصاً الضعفاء منهم، ولذلك يجب أن تنظر بعين الاعتبار الى الأحداث والقضايا غير القابلة للحل بين روسيا والدول الصغيرة المجاورة. فالهند، باعتبارها قوة إقليمية كبرى تمتلك اقتصاداً ضخماً وعدداً كبيراً من السكان ومساحة كبيرة من الأراضي وقوة عسكرية، كان ينبغي لها أن تحرص على النمو والاستقرار الاقليميين. ومع ذلك، تعرضت الدول الصغيرة في شبه القارة الهندية للقمع بسبب موقف الهند المتنمر لتأمين مصالحها. وعلى غرار الوضع بين روسيا وأوكرانيا، قد تتورط شبه القارة الهندية أيضاً في حرب واسعة النطاق غير ضرورية ما لم يتوقف مستوى القمع والعداء بين الهند والدول الأصغر حجماً.

وتشترك الهند في حدودها مع جميع الدول الاقليمية مثل بنغلادش والنيبال وجزر المالديف وسريلانكا وباكستان. وتواجه هذه الدول الموقف القمعي للهند بين الحين والآخر. وعلى سبيل المثال، كان على سريلانكا أن تتحمل تدخل الهند وكثيراً ما تعرضت النيبال، المستقلة حتى في عهد الحكم البريطاني، للاستغلال على يدها من خلال عرقلة طرق العبور. وتنظر الهند إلى إنشاء بنغلادش باعتباره إنجازاً خاصاً بها، وهو ما يتعارض مع الحقائق التي أقرها القوميون البنغاليون أيضاً. ومع ذلك، عندما فقد 1.9 مليون بنغالي في ولاية آسام جنسيتهم الهندية بموجب قانون تعديل المواطنة الذي أقرته حكومة مودي، ارتفعت المشاعر المعادية للهند في البلاد. وفي الجانب الشمالي الغربي من الهند، العلاقات مع الصين بدورها على حافة الهاوية. ومع وجود تجارة ثنائية كبيرة بين البلدين، إلا أن التبت تبقى نقطة خلاف.

وعلى الرغم من كل الخلافات، إذا تصاعد العداء مع باكستان إلى حرب كاملة فسيكون الأكثر تدميراً للمنطقة بأكملها. وتتراوح التوترات الأساسية بين الجارين منذ فترة طويلة من القضايا الاقليمية والحدود الأمنية إلى المطالبات بالمياه أيضاً. ومع ذلك، هناك حقيقة ثابتة لا يمكن تجاهلها وهي أن ثلاثاً من الحروب الأربع الكبرى بين البلدين كانت بسبب كشمير، ومما لا شك فيه أن المظالم والعداء بشأنها سيستمر بالاشتعال بين الجانبين ما لم يتم تعزيز حل طويل الأمد.

وواجهت باكستان، وهي دولة كبرى وقوة نووية في شبه القارة الهندية، الهند مراراً وتكراراً بشأن موقفها العدواني من مختلف الخلافات. وكثيراً ما تحولت العلاقة بين الجارتين التاريخيتين إلى حافة مواجهة عسكرية واسعة النطاق في السنوات الأخيرة. وخاضت الدولتان أربع حروب كبرى منذ الاستقلال في العام 1947، وتدهورت العلاقة بينهما كثيراً بعد صعود ناريندرا مودي إلى السلطة في العام 2014. وحدثت المواجهة الأخيرة في العام 2019 عندما نفذت الهند هجوماً جوياً على باكستان وانتقمت هذه الأخيرة بنجاح في مواجهة سلوكها العدواني.

لقد أظهرت الحرب الروسية – الأوكرانية بوضوح أن الدول الأكبر حجماً، التي تتوهم أن لا ند لها في السياسة الاقليمية، قد تتعثر في طموحاتها الرامية إلى فرض الهيمنة عندما تواجه دولة أصغر ولكنها حازمة. صحيح أن الحرب في أوروبا الشرقية كانت مصدراً للدمار والمأساة بالنسبة الى أوكرانيا من حيث الخسائر في أرواح المدنيين والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، لكن روسيا واجهت عمليات انتقامية مماثلة. وتتلقى أوكرانيا دعماً واسع النطاق من الدول الغربية بينما تصر روسيا على سعيها الى إنهاء الحرب بشروطها الخاصة. وقامت أوكرانيا، بدعم من مساعديها الغربيين، ببعض الهجمات المضادة الناجحة، فيما لم تتمكن روسيا، وهي دولة أكبر، من التغلب على العزلة الدولية وعلى الانفاق الباهظ في سعيها الى هذه الحرب مع عدم وجود نصر واضح في الأفق.

وفي شبه القارة الهندية، إذا أدى موقف الهند التوسعي الى صراع عسكري واسع النطاق مع باكستان، فقد يتصاعد الوضع إلى مستويات غير مفهومة. وستتلاشى سنوات التطوير والعمل الجاد من جانب البلدين أدراج الريح، بحيث أن باكستان، تتمتع ولو أنها أصغر حجماً واقتصاداً من الهند، بتصميم قومي وبجيش قوي كما ظهر في المواجهات السابقة معها. وتمتلك كلتا الدولتين أسلحة نووية وهذا يعني أن تصعيد الصراع سيؤدي الى دمار متبادل مؤكد. وتشكل الحرب بين روسيا وأوكرانيا فرصة للتأمل في الدمار الذي خلفته الحروب ودرساً لتجنب أي فوضى محتملة”.

شارك المقال