خوف طرابلسيّ على عرف “الشرعي”: إقصاء مشبوه أم سقطة قانونية؟

إسراء ديب
إسراء ديب

استغربت أوساط سياسيّة طرابلسيّة، غياب اسم النائب والوزير السابق سمير الجسر عن الأسماء الثمانية التي عيّنها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى بناءً على أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 18/1955 المعدّل، إذْ لم يتوقّع أحد عدم ذكره ضمن الأسماء الواردة، على الرغم من وجود تأكيد صحافي وسياسي مسبق لفت إلى وجوب هذا التعيين بغية طرح اسمه ليكون نائب رئيس في المجلس الشرعي، خلفاً للوزير السابق عمر مسقاوي الذي تُؤكّد الأوساط أنّه كان “مرجعاً قانونياً مميزاً حاول تعديل مواد عدّة على الرّغم من محاولة البعض الاستئثار بالسلطة ومنعه من تمرير ملفات مختلفة لتقليص حجم صلاحياته وقدرته على ترؤس الجلسات المسجلة”.

وكان المفتي دريان أصدر قراراً عيّن بموجبه كلّاً من: رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا الدكتور الشيخ محمّد أحمد عساف، مفتي طرابلس الشيخ محمّد محمّد طارق إمام، مفتي عكار الشيخ زيد محمّد بكار زكريا، النقيب المحامي محمّد خالد المراد، القاضي اياد محمود بردان، الدكتور محمد شحاذي صميلي، المحامي أحمد رضوان وهبه وكامل إبراهيم دمياطي، الأمر الذي شكّل صدمة طرابلسية وشمالية بسبب عدم تعيين الجسر الذي توقّع الكثيرون ذكره عقب الانتخابات مباشرة، في وقتٍ تحدّثت معلومات عن “استبعاده” لأسباب سياسيّة مرتبطة بتيّار “المستقبل” ورغبة البعض في “قصّ أجنحة” هذا التيّار في المؤسسة الشرعية الأولى، (مع العلم أنّ التيّار كان قد حصل على توافق ملحوظ بفوز أعضاء منه في انتخابات المجلس منذ أيّام).

حسب معطيات “لبنان الكبير”، فإنّ أحداً لم يستبعد الجسر لتولي هذا المنصب، بل هو من كان رفض ذلك أساساً، وهذا ما أكّده أيضاً مقرّب من الجسر، قائلاً: “عُرض هذا الطرح على النائب السابق منذ 3 أشهر تقريباً، لكنّه كان رفض تولّي المنصب منذ البداية ولم يكن يرغب فيه أساساً، وحينما تحدّثنا معه اعتبر أنّه ليس في وارد الموافقة على هذا الطرح الذي كان قائماً في وقتٍ سابق، لأنّه شخصية أساسية في هذا المجال تجمع المدنية، الشرعية، الوطنية والديبلوماسية، إذْ يُعرف الجسر (الذي ينتمي إلى عائلة دينية، فجده كان مفتياً ووالده كان عضواً في المجلس الشرعي، أيّ أنّه من سلالة مشايخ ويُمثل الخط الاسلامي المعتدل)، بالتزامه الديني وعلاقاته المتعدّدة مع الأطراف السياسية المختلفة بموضوعية كما يُعرف بعلاقته مع رؤساء الحكومات السابقين والحالي أي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي تجمعه به علاقة قوية وقديمة، اذ كان الجسر محامياً لميقاتي سابقاً، وكلّها مقوّمات نادراً ما نجدها في شخصية طرابلسية حتّى ولو كانت محسوبة على تيّار المستقبل أو تتمتّع بعلاقة طيّبة مع الرئيس سعد الحريري أو الشهيد رفيق الحريري، لكنّها تبقى جامعة وبعيدة عن الشبهات”.

واعتبر المصدر أنّ الجسر الذي يُعدّ ناخباً أساسياً لعب دوراً مهمّاً في انتخاب المفتي أو المجلس، بات من الأسماء المقترحة “سرياً” لرئاسة الحكومة المقبلة حسب هويّة رئيس الجمهورية المقبل وتوجهاته، موضحاً أن “لا مصلحة لأحد في استبعاده عن تولّي المنصب، لكن البعض يعتقد أنّ الجسر سيُحاول الاتصال والتودّد للوصول إلى منصب ما، لكن ذلك لم يحدث”.

خوف على المنصب

إنّ الطرابلسيين الذين يُدركون تماماً أنّ العرف قد حفظ حقوقهم في وصول نائب عن رئيس المجلس من مدينتهم، يخشون اليوم من عدم الالتزام بتفاصيل هذا العرف الذي لا يُمكن استبعاده أو إلغاؤه، فوفق مصادر قانونية إنّ العرف المتّبع “مذكور ضمن اللوائح التنفيذية للمجلس”، لكنّ القلق لا يزال قائماً حتّى اللحظة، لا سيما بعد التحدّث عن رغبة في تعيين الشيخ محمّد أحمد عساف نائباً للرئيس، بدلاً من المفتي إمام، أو تعيين المحامي مراد في هذا المنصب.

ومع أنّ الرئيس ميقاتي كان رفض هذا الطرح، شدّدت شخصية مقرّبة من رئيس الحكومة لـ “لبنان الكبير” على أنّ الدهاليز السياسيّة التي باتت تتدخل في شؤون المدينة ومناصبها أي حقّها، لم تدفع ميقاتي إلى التنازل عن المنصب حتّى اللحظة، إذْ رفض تعيين عساف بدلاً من إمام، ووفق هذه الشخصية فإنّه “كان لا يُمانع في تعيين النائب الجسر نائباً عن المدينة، نظراً الى تواصلهما المستمرّ وعلاقتهما المقرّبة”.

أمّا حول الحديث عن تعيين النقيب المراد، فأكّد مصدر من دار الفتوى – طرابلس لـ “لبنان الكبير”، أنّ المشايخ لن يصمتوا عن هذه الرغبة، قائلاً: “إذا رغب المفتي في تعيين المراد، فلن نسكت لأسباب عدّة، أوّلها أنّه ليس طرابلسيّاً كعساف أيضاً، ثانيها أن لا إجماع عاماً عليه، أمّا ثالثها فيكمن في أنّ المنصب يحتاج إلى شخصية ملتزمة دينياً تُمثل رأس السلطة التشريعية الاسلامية السنية، وهذا ما لا نراه في المراد”، وفق المصدر.

في الواقع، لم يكن اسم الجسر هو الوحيد المطروح على الساحة الطرابلسية لهذا المنصب، بل كان طرح اسم المفتي السابق مالك الشعار إعلامياً، لكن وفق مقرّبين منه، فإنّ “اسمه لم يكن مطروحاً من الأساس، ومنذ اللحظة التي اعتذر فيها عن التمديد لم يُشارك في أيّ موضوع مرتبط بهذه الشؤون، إذْ لم يقم بنفي الأخبار المتداولة أو تأكيدها لأنّه لا يعتبرها حقيقة لينفيها، كما لم يتواصل مع المفتي دريان، ولن يترشح لأيّ منصب”.

واعتبر متابع لهذا الملف أنّ من المنطقي ألّا يتوّلى الشعار هذا المنصب، وذلك لسبيين رئيسين: الأوّل يكمن في غياب “الكيمياء” بين المفتي دريان والشعار بسبب خلافات قديمة وعلنية لا تزال قائمة، أمّا السبب الثاني فيكمن في أهمّية تولّي شخص مدني هذا المنصب لا شرعي.

أمّا عن احتمال تولّي الشيخ إمام المنصب وهو شخصية دينية، فذكر المصدر سابقة حدثت في هذا المجال خلال فترة الحرب وتحديداً عام 1986، لافتاً إلى إمكان “ألّا تُمانع الظروف تكرارها”. وقال لـ “لبنان الكبير”: “الشيخ صبحي الصالح ابن المدينة الذي اغتيل أثناء الأحداث وهو علّامة من العلماء، كانت تجمعه علاقة قوية بمفتي لبنان الشيخ حسن خالد، كما كان قد شغل منصب نائب رئيس المجلس، لكن تمّ اغتياله لأنه كان من دعاة الانفتاح والوحدة الاسلامية، أيّ أنّه أوّل شخصية شرعية ودينية حظيت بهذا المنصب، وبالتالي لن يكون من المستغرب توّلي المفتي إمام هذا المنصب والذي سيكون مناصراً ومقدّراً لقرار المفتي دريان”.

شارك المقال